[الآية ١٧] وقوله تعالى : (وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ) [الآية ١٧]؟
قلنا : وجه المناسبة بينهما : أنه أمر أن يتقوّى على الصبر ، بذكر قوة داود عليهالسلام على العبادة والطاعة. الثاني : أن المعنى عرّفهم أن داود (عليهالسلام) ، مع كرامته وشهرة طاعته وعبادته ، الّتي منها صوم يوم دون يوم ، وقيام نصف الليل ، كان شديد الخوف من عذابي ، لا يزال باكيا مستغفرا. فكيف حال هؤلاء مع أفعالهم؟
فإن قيل : لم قال الملكان لمّا دخلا على داود (عليهالسلام) كما ورد في التنزيل : (خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ) [الآية ٢٢] والملائكة لا يوجد منهم البغي والظلم ، ولم قال تعالى : (إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً) [الآية ٢٣] إلى آخره ، ولم يكن كما قال؟
قلنا : إنّما قالا ذلك على سبيل الفرض والتصوير للمسألة ، ومثل ذلك لا يعدّ كذبا كما تقول في تصوير المسائل : زيد له أربعون شاة وعمرو له أربعون ، وأنت تشير إليهما ، فخلطاها وحال عليها الحول كم يجب فيها وليس لهما شيء ، وتقول لي أربعون شاة ، ولك أربعون ، فخلطناها وما لكم شيء.
فإن قيل : لم حكم داود (عليهالسلام) على المدعى عليه بكونه ظالما قبل أن يسمع كلامه؟
قلنا : لم يحكم عليه إلا بعد اعترافه ، كذا نقله السّدّي ؛ إلا أنه حذف ذكر الاعتراف في القصة ، اختصارا لدلالة الحال عليه ، كما تقول العرب : أمرته بالتجارة فكسب الأموال : أي فاتّجر ، فكسب الأموال.
فإن قيل : ما معنى تكرار الحب في قوله تعالى : (إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي) [الآية ٣٢]. وما معنى تعديته ب «عن» وظاهره أحببت حبّا مثل حب الخير ، كما تقول أحببت حبّ زيد : أي أحببت حبّا مثل حبّ زيد؟
قلنا : أحببت في الآية بمعنى آثرت ، كما يقول المخيّر بين شيئين : أحببت هذا : أي آثرته ، وقد جاء استحب بمعنى آثر ، قال الله تعالى : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) [فصلت : ١٧]. أي آثروه : لأنّ من أحبّ شيئا فقد آثره على غيره ، و «عن» بمعنى «على» كما في قوله تعالى : (وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ)