[محمد : ٣٨] فيصير المعنى أي آثرت حب الخير على ذكر ربي. الثاني : وهو اختيار الجرجاني صاحب معاني القرآن ، أن «أحببت» بمعنى قعدت وتأخرت ، مأخوذ من أحب الجمل إذا برك ، ومنه قول الشاعر :
دعتك إليها مقلتاها وجيدها |
|
فملت كما مال المحبّ على عمد |
فالمحبّ هنا الجمل ، والعمد علّة تكون في سنام الجمل ، وكل من ترك شيئا وتجنّب أن يفعله فقد قعد عنه ، فتأويل الآية : إنّي قعدت عن ربي لحبّ الخير ، فيكون انتصاب حب على أنه مفعول له.
فإن قيل : لم قال سليمان عليهالسلام ، كما ورد في التنزيل : (وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي) [الآية ٣٥] وهذا أشبه بالحسد والبخل بنعم الله تعالى على عبيده ، بما لا يضرّ سليمان عليهالسلام؟
قلنا : قال الحسن وقتادة رحمهماالله : المراد به لا ينبغي لأحد أن يسلبه مني في حياتي ، كما فعله الشيطان الّذي لبس خاتمه وجلس على كرسيه ؛ الثاني : أن الله تعالى علم أنه لا يقوم غيره من عباده بمصالح ذلك الملك ، فاقتضت حكمته سبحانه تخصيصه به ، فألهمه أن يسأله تخصيصه به. الثالث : أنه أراد بذلك ملكا عظيما ، فعبر عنه بتلك العبارة ، ولم يقصد بذلك إلّا عظم الملك وسعته ، كما تقول لفلان : ليس لأحد مثله من الفضل أو من المال ، وتريد بذلك عظم فضله أو ماله ، وإن كان في الناس أمثاله.
فإن قيل : لم قال تعالى في وصف أيوب عليهالسلام : (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً) [الآية ٤٤] مع أن الصبر هو ترك الشكوى من ألم البلوى ، على ما قيل ، وهو قد شكا؟
قلنا : الشكوى إلى الله لا تنافي الصبر ، ولا تسمّى جزعا لما فيها من إظهار الخضوع والعبودية لله تعالى ، والافتقار إليه ؛ ويؤيده قول يعقوب عليهالسلام ، كما ورد في التنزيل : (إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ) [يوسف : ٨٦] مع قوله (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) [يوسف : ٨٣] وقولهم : الصبر ترك الشكوى ، يعني إلى العباد. الثاني : أنه (ع) ، إنما طلب الشفاء من الله تعالى ، بعد ما لم يبق منه إلا قلبه ولسانه ، خيفة على قومه أن يفتنهم الشيطان بما كان يوسوس لهم