فإن قيل : قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ) [الآية ٢٧] يطابقه وما في الأبحر من ماء مداد ، فلم عدل عنه إلى قوله : سبحانه (وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ) [الآية ٢٧]؟
قلنا : استغنى عن ذكر المداد بقوله تعالى (يَمُدُّهُ) والفعل مأخوذ من مد الدواة وأمدها. أي : زادها مدادا. فجعل البحر المحيط بمنزلة الدواة ، والأبحر السبعة مملوءة مدادا تصبّ فيه أبدا صبّا لا ينقطع ، فصار نظير ما ذكرتم ، ونظيره قوله تعالى : (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي) [الكهف : ١٠٩].
فإن قيل : لم قال تعالى : (مِنْ شَجَرَةٍ) ولم يقل «من شجر»؟
قلنا : لأن السّياق اقتضى تفصيل الشجر وتقصّيها شجرة شجرة ، حتى لا يبقى من جنس الشجر شجرة واحدة إلّا وقد بريت أقلاما.
فإن قيل : الكلمات جمع قلة والمقصود التفخيم والتعظيم ، فكان جمع الكثرة وهو الكلم أشد مناسبة؟
قلنا : جمع القلّة هنا أبلغ فيما ذكرتم من المقصود. لأن جمع القلّة إذا لم يفن بتلك الأقلام وذلك المداد ، فكيف يفنى جمع الكثرة.
فإن قيل : في قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) [الآية ٣٤]. لم أضاف سبحانه العلم إلى نفسه في الأمور الثلاثة من الخمسة المغيّبات ، ونفى العلم عن العباد في الأمرين الآخرين ، مع أن الأمور الخمسة سواء في اختصاص الله تعالى بعلمها وانتفاء علم العباد بها؟
قلنا : إنما خصّ الأمور الثلاثة الأول بالإضافة إليه تعظيما لها وتفخيما لأنّها أجلّ وأعظم ؛ وإنّما خصّ الأمرين الآخرين بنفي علمهما عن العباد ، لأنّهما من صفاتهم وأحوالهم ، فإذا انتفى عنهم علمهما كان انتفاء علم ما عداهما من الأمور الخمسة أولى.
فإن قيل : لم قال تعالى : (وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) [الآية ٣٤] ولم يقل بأي وقت تموت ، وكلاهما غير معلوم ، بل نفي العلم بالزمان أولى ، لأنّ من الناس من يدّعي علمه وهم المنجّمون ، بخلاف المكان فإن أحدا لا يدّعي علمه؟
قلنا : إنّما خصّ المكان بنفي علمه لوجهين : أحدهما أن الكون في مكان