إلى غير هذا ممّا ذكره من آياته ونعمه ؛ ثمّ ذكر أنّه هو الذي يتفرّد بما ذكره من ذلك كلّه ، ولا يصحّ أن يكون له فيه شركاء من خلقه يستحقّون العبادة مثله ، كما لا يصحّ أن يكون لنا فيما يرزقنا شركاء ممّا ملكت أيماننا.
ثم أظهر لهم فضل ذلك الدّين الذي يلقون الأذى فيه ، فذكر أنه دين الفطرة التي فطر النّاس عليها ، فيجب أن يتمسّكوا به ولا يكونوا من المشركين الذين تركوه فتفرّقوا شيعا يعادي بعضهم بعضا ؛ ثمّ ذكر أنّ هؤلاء المشركين منهم من إذا مسّه ضرّ رجعوا إلى فطرتهم فدعوا ربّهم ، فإذا كشف الضرّ عنهم رجع فريق منهم إلى شركهم ، وكفروا بما آتاهم من كشف الضرّ عنهم ومنهم من هو على عكس هذا ، فإذا أذاقه رحمة فرح بها ، وإن أصابته سيّئة وقع في القنوط واليأس.
ثمّ أمرهم أن يواسي بعضهم بعضا ، بأن يعطي القريب حقّ النّفقة لقريبه ، ويعطي الغنيّ حقّ الزّكاة للمساكين وابن السبيل ، ونهاهم أن يتعاملوا بالرّبا لأنّه لا يربو عنده كما تربو الزكاة.
ثمّ ذكر لهم أنه لا يترك أعداءهم من غير أن يعجّل لهم بعض العذاب على ما أظهروا من الفساد في البرّ والبحر ، وأمرهم أن يسيروا في الأرض لينظروا كيف كان عاقبة الذين أشركوا من قبلهم ، وأن يتمسّكوا بدينهم من قبل أن يأتيهم ذلك العذاب فيتفرّقوا فيه ، فالكافرون يعاقبون على كفرهم ، والمؤمنون يثابون على إيمانهم ، ليجزيهم من فضله بما صبروا على أذاهم ، فيرحمهم بذلك كما يرسل الرياح مبشّرات برحمته ، وينتقم من أعدائهم كما انتقم من الذين أجرموا قبلهم ؛ ثمّ قرّب وعده لهم مع ضعف حالهم بأنه يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء ثم يخرج المطر من خلاله ، فإذا أصاب به من يشاء من عباده فرحوا به وإن كانوا قبله في يأس منه ، ثم قرّبه أيضا بما يشاهد من آثار رحمته في إحيائه الأرض بعد موتها ، فمن يفعل ذلك يقدر على تقويتهم بعد ضعفهم وهو على كل شيء قدير ، ثمّ ذكر أن أولئك المشركين لو أرسل عليهم ريحا مصفرّا إنذارا لهم بما يوعدهم من ذلك العذاب لظلّوا من بعده على كفرهم ، لأنهم بلغوا من الجهل مالا يتأثّرون معه بإنذار أو دعاء ، فلا يصدّقون وعده بنصر هؤلاء الضعفاء عليهم ، ثمّ ذكر ممّا يثبت