الثّانية : ما إذا جهل تاريخهما ، ولا ريب أنّه لو قلنا : بجريان كلّ واحد من الأصلين فيها لا يترتّب الأثر عليهما ؛ وذلك ، للزوم التّعارض بينهما وتساقطهما عن الاعتبار ، كما هو ظاهر ، وللزوم المثبتيّة. بتقريب : أنّ أصالة عدم تحقّق النّقل إلى زمن الاستعمال ، لازمها العقلي هو تأخّر النّقل عن الاستعمال والحمل على المعنى اللّغوي ، كما أنّ أصالة عدم تحقّق الاستعمال إلى زمن النّقل ، لازمها العقلى هو تأخّر الاستعمال عن النّقل والحمل على المعنى الشّرعيّ ، وقد قرّر في محلّه عدم حجّيّة أصل المثبت.
الثّالثة : ما إذا جهل تاريخ النّقل وعلم تاريخ الاستعمال ، والحقّ فيها عدم جريان أصالة عدم النّقل إلى زمن الاستعمال ؛ إذ لو كان المراد من هذا الأصل ، أصلا لفظيّا عقلائيّا ، فالمتيقّن من مورد جريانه هو ما إذا شكّ في أصل النّقل ، لا مع العلم به والشّكّ في تقدّمه على الاستعمال وتأخّره عنه ، كما هو المفروض في المقام.
ولو كان المراد منه أصلا عمليّا تعبّديّا وهو الاستصحاب ، فيلزم كونه مثبتا فاقدا للحجيّة والاعتبار ، كما عرفت سابقا.
هذا ، ولكن ذهب العلّامة الحائري اليزدي قدسسره إلى جريانها وقال في تقريبه ، ما هذا لفظه : «بناء على أنّ خصوص هذا الأصل من الاصول العقلائية ، فيثبت به تأخّر النّقل عن الاستعمال ، ولا معارض له ؛ أمّا على عدم القول بالأصل المثبت في الطّرف الآخر ، فواضح ؛ وأمّا على القول به ، فلأنّ تاريخه معلوم بالفرض ، واحتمال أن يكون بناء العقلاء على عدم النّقل في خصوص ما جهل رأسا لا في ما علم إجمالا وشكّ في تاريخه بعيد ؛ لظهور أنّ بناءهم على هذا ، من جهة أنّ وضع السّابق عندهم حجّة ، فلا يرفعون اليد عنها ، إلّا بعد العلم بالوضع الثّاني». (١)
__________________
(١) درر الفوائد : ج ١ ، ص ٤٧.