وعليه : فلا ملزم لأن يقال : بالتّجوّز أو النّقل في الاستفهام والتّرجّي والتّمنّي الواردة في كلام الباري عزوجل ، لئلّا يلزم إسناد الجهل أو النّقص أو العجز إليه تعالى ؛ إذ هذه الكلمات تستعمل دائما في معانيها بحيث يراد منها معناها بالإرادة الاستعماليّة الّتي هي المعيار لإطلاق المجاز أو الحقيقة على مسلك المشهور ، إلّا أنّه تارة تطابقها الإرادة الجدّيّة ، واخرى لا تطابقها ، فلا تجوّز ولا نقل في أمثال هذه الكلمات أصلا ، ولا يلزم حينئذ محذور الجهل أو العجز أو النّقص ، فهيئة الأمر في قوله تعالى : (فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ)(١) استعملت لإنشاء البعث والإغراء ، لكن لا لغرض البعث والانبعاث بنحو الجدّ ، بل الغرض الجدّي هو التّعجيز ، ونحوها ما ورد في قول الشّاعر : «ألا أيّها اللّيل الطّويل ألا انجلي» حيث إنّ الغرض الجدّي من هيئة الأمر فيه هو التّزجّر لا البعث ، وكذلك سائر الهيئات الأمريّة الّتي يكون الغرض منها غير البعث ، كالإستفهام وغيره.
(المورد الثّاني : دلالة صيغة الأمر على الوجوب أو عدمه)
يقع الكلام بين الأعلام هنا في مقامين :
أحدهما : في أنّ صيغة الأمر ، هل تدلّ على الوجوب ، أو على الاستحباب ، أو على الجامع بينهما بنحو الاشتراك المعنوي ، أو على كلّ منهما بوجه الاشتراك اللّفظي؟
ثانيهما : في أنّها على تقدير دلالتها على الوجوب ، هل تدلّ عليه بالوضع ، أو
__________________
(١) سورة هود (١١) : الآية ١٣.