بالانصراف ، أو بمقدّمات الحكمة ، أو بسبب أنّ الصّيغة كاشفة عند العرف والعقلاء عن وجوب إرادة المولى وحتميّتها أو بسبب أنّها حجّة بحكم العقل والعقلاء على الوجوب والحتميّة؟
واختار الإمام الرّاحل قدسسره أنّها تدلّ على الوجوب ، والسّبب في ذلك ـ أيضا ـ هو خصوص كونها حجّة عليه حسب نظر العقل والعقلاء ، لا الوضع والانصراف وغيرهما (١) وهذا هو الحقّ.
توضيح ذلك : هو أنّ مجرّد الأمر ومحض البعث والإغراء ، موضوع لحكم العقل والعقلاء بوجوب الامتثال والإطاعة وحرمة العصيان والمخالفة ، بحيث لو اعتذر العبد التّارك للإطاعة باحتمال كون المصلحة الدّاعية إلى الأمر والبعث غير ملزمة ، لم يقبل اعتذاره ، ولا فرق في هذا الحكم العقلائي بين كون الدّال على البعث والإغراء لفظا ، كصيغة الأمر ، وبين كونه إشارة عمليّة فعليّة ، فليس هنا وراء حكم العقلاء وبنائهم على وجوب إطاعة أمر المولى شيء آخر من دلالة وضعيّة لفظيّة ، أو انصرافيّة ، أو دلالة إطلاقيّة مستفادة من مقدّمات الحكمة ، أو غيرها.
وإن شئت فقل : إنّ هيئة الأمر وصيغته تكون من الحجج العقلائيّة على وجوب الإطاعة وعدم جواز ترك بعث المولى باحتمال الاستحباب ونقص الإرادة وعدم حتميّة البعث والإغراء ، فليس في صقع مفهومها وحوزة معناها مفهوم الوجوب والحتميّة ، أو مفهوم الإرادة الحتميّة ، ولا مطابق هذا المفهوم ، بل نفس صيغة الأمر موضوع لحكم العقل بوجوب إطاعة من صدر منه الأمر قضاء لحقّ المولويّة
__________________
(١) راجع ، مناهج الوصول : ج ١ ، ص ٢٥٦ و ٢٥٧ ؛ وتنقيح الاصول : ج ١ ، ص ٢٤٣ الى ٢٤٩.