والعبوديّة ، إلّا أن يرخّص في التّرك ويأذن فيه ، فإذا لا يكون الأمر موضوعا لحكم العقل بوجوب الإطاعة ، كما هو واضح.
ومن هنا ظهر : أنّ ما ذهب إليه المحقّق الخراساني قدسسره من أنّ صيغة الأمر تدلّ على الوجوب وضعا وأنّه يتبادر منها عند استعمالها بلا قرينة (١) ، ممنوع ؛ إذ بناء على ما ذكرناه ، ليس المتبادر من الهيئة إلّا مجرّد البعث والإغراء ، ولا تدلّ إلّا عليه من دون دلالة على الوجوب أو النّدب أو غيرهما.
وبعبارة اخرى : إنّ وزان دلالة الصّيغة على البعث ، وزان دلالة الإشارة عليه ، فكما أنّ الإشارة لم توضع للدّلالة على الوجوب أو النّدب ، كذلك صيغة الأمر.
وكذلك ظهر ـ أيضا ـ أنّ ما عن المحقّق الاصفهاني قدسسره من دعواه :
أوّلا : أنّ صيغة الأمر تدلّ على الوجوب وحتميّة الإرادة انصرافا (٢).
وثانيا ، أنّ الصّيغة تكشف عن حتميّة الإرادة كشفا عقلائيّا ، ممنوع.
أمّا الأوّل ، فوجه منعه (٣) ، أنّ منشأ الانصراف وهي الكثرة الاستعماليّة الموجبة لانس الذّهن ، ليس هنا بموجود ؛ لوجود هذه الكثرة في غير الوجوب ، أيضا.
نعم ، الموجود هنا هو أكمليّة الوجوب بالنّسبة إلى سائر أفراد الطّلب أو البعث ، أو كثرة وجوده في دائرة الشّريعة ، وأنت ترى ، أنّ هذا ليس منشأ للانصراف.
__________________
(١) كفاية الاصول : ج ١ ، ص ١٠٣ ، حيث قال : «ولا يبعد تبادر الوجوب عند استعمالها بلا قرينة».
(٢) راجع ، نهاية الدّراية : ج ١ ، ص ١٨٣.
(٣) راجع ، نهاية الدّراية : ج ١ ، ص ١٨٣.