وكيف كان ، لا طائل تحت هذا البحث ؛ لما أشرنا إليه مرارا ، من أنّ حجيّة الحجج تدور مدار الظّهورات وجودا وعدما ، حدوثا وبقاء ، فالظّهور هو المتّبع يحتجّ به العقلاء ، كما يحتجّ به المولى ، ولا يعتنون بمجرّد احتمال الخلاف أصلا ، وسنشير إلى هذا البحث في ذيل مبحث الحقيقة الشّرعيّة. (١)
(الأمر الثّامن عشر : الحقيقة الشّرعيّة)
اعلم ، أنّ المراد من الحقيقة الشّرعيّة هو : أنّ ألفاظ العبادات ـ كالصّلاة والصّوم والزّكاة ونحوها ـ والمعاملات ـ كالبيع والإجارة والنّكاح ونحوها ـ إنّما هي توضع لمعانيها الموجودة في الشّريعة المقدّسة من ناحية النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وقد اختلفت كلمات الأعلام في ثبوتها وعدمه ، والحقّ أنّها غير ثابتة ، وأنّه ليس للإسلام تأسيس ولا وضع أصلا ، بل الألفاظ عباديّة كانت أو معامليّة موضوعة لتلك المعاني قبل الإسلام والشّريعة المقدّسة ، وتشهد لما قلنا : الآيات الدّالّة على معهوديّة استعمال ألفاظ العبادات في المعاني الشّرعيّة عند الامم السّابقة ، كقوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ). (٢)
وقوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليهالسلام : (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً). (٣)
__________________
(١) وهنا كلام من العلمين المحقّقين العراقي والحائري قدسسرهما ونقد على كلامهما من سيّدنا الأستاذ الإمام الرّاحل قدسسره فإن شئت ، راجع ، كتاب بدائع الأفكار : ج ١ ، ص ١٠٣ و ١٠٤ ؛ ودرر الفوائد : ج ١ ، ص ١٨ ؛ ومناهج الاصول : ج ١ ، ص ١٣٢ الى ١٣٥.
(٢) سورة البقرة (٢) : الآية ١٨٣.
(٣) سورة الحجّ (٢٢) : الآية ٢٧.