وقد يقال : إنّ وجهه في الفرض الأوّل ، هو استصحاب عدم النّقل ، وفي الفرض الثّاني ، استصحاب بقاء ظهور اللّفظ قهقريّا ؛ حيث إنّ ظهوره متيقّن فعلا ومشكوك سابقا ، فيجرّ اليقين اللّاحق إلى زمن الشّكّ السّابق ، ولا غرو في ذلك ؛ إذ كما أنّ الاستصحاب حجّة شرعا في الأحكام والموضوعات المترتّب عليها الآثار الشّرعيّة ، كذلك يكون حجّة عرفا وعقلاء في امورهم العرفيّة ، فمع الشّكّ في النّقل ، يستصحبون عدمه ، ومع الشّكّ في الظّهور يستصحبونه قهقريّا ، فالاستصحاب العقلائي ، كالاستصحاب الشّرعي يكون حجّة ما لم يعلم خلافه.
وفيه : أنّ الاستصحاب العقلائي لا أساس له ولا يكون مجرّد اليقين بحدوث شيء ، أمارة عندهم على بقائه عند الشّكّ وقاعدة : «ما ثبت يدوم» (١) لم تثبت كلّيّتها عندهم.
نعم ، أنّهم لا يعتنون باحتمال الخلاف إذا كان ضعيفا ، لا لأجل الاستصحاب ، بل لاطمئنانهم بالبقاء ، والاستصحاب في الشّريعة أصل تعبّديّ لا أمارة ، ومقتضاه ليس إلّا ترتيب اليقين عند الشّكّ في بقاء ما هو متيقّن الحدوث سابقا ، هذا كلّه في الصّورة الاولى وهي الشّكّ في النّقل.
أمّا الصّورة الثّانية (الشّكّ في تقدّم النّقل على الاستعمال وتأخّره عنه بعد العلم بوقوعهما) فالظّاهر عدم بناء من العقلاء على العمل بأصالة عدم النّقل ، بل المتيقّن من بناءهم هو العمل بها في مورد الشّكّ في أصل النّقل ، كما عرفت في الصّورة الاولى.
__________________
(١) راجع ، كفاية الاصول : ج ٢ ، ص ٤٤٣ ؛ وجواهر الاصول : ج ١ ، ص ٢٤١.