فتحصّل من جميع ما ذكرنا : أنّ صيغة الأمر لا تدلّ إلّا على مجرّد البعث والإغراء بنحو الحتم والوجوب ، لكن لا لأجل الوضع والانصراف ومقدّمات الحكمة وكونها كاشفة عند العقلاء عن الإرادة الحتميّة ، بل لأجل قيام الحجّة للمولى على العبد ، بمجرّد الأمر وعدم صحّة الاعتذار في تركه باحتمال إرادة النّدب.
تذنيب :
قد تستعمل الجملة الخبريّة لا لغرض الحكاية والإحكاء ، بل لأجل البعث والإغراء ، بتقريب : أنّها تستعمل في معناها الخبري ، بدعوى : أنّ المخبر به أمر محقّق الوقوع يوقعه ويحقّقه المخاطب لا محالة ، فتفيد البعث والإغراء بوجه أبلغ وآكد.
وقد عرفت في مبحث المجاز والحقيقة ، أنّ المجاز ليس معناه استعمال الألفاظ في غير ما وضعت له ، بل المستعمل فيه دائما هو نفس الموضوع له ، فهو المراد الاستعمالي إلّا أنّه تارة يكون هو مرادا جدّيّا ـ أيضا ـ فيسمّى هذا الاستعمال حقيقة ، واخرى لا يكون مرادا جدّيّا ، فيسمّى مجازا ، وهذا أيضا ، إمّا بادّعاء كون ما هو المراد الجدّي من مصاديق الموضوع له ، نظير ما في الكلّيات وأسماء الأجناس ، كقوله تعالى (إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ)(١) وكقول الشّاعر :
«قامت تظلّلني ومن عجب |
|
شمس تظلّلني من الشّمس» (٢) |
وإمّا بادّعاء كونه عين الموضوع له ونفسه ، نظير ما في الجزئيّات وأعلام الأشخاص كقوله : «رأيت حاتما».
__________________
(١) سورة يوسف (١٢) : الآية ٣١.
(٢) مختصر المعاني : ص ١٦٨.