فإنّ الحكم فيها بأفضليّة النّية على العمل ، بل الحكم بالهوهويّة والاتّحاد بينهما أقوى شاهد على عظم شأن النّية ، وأنّ وزانها وزان الرّوح ، ووزان العمل وزان الجسد ، فإذا أتى بعمل وقصد به وجه الله والتّقرب إليه ، تترتّب عليه أمثال هذه المقاصد الإلهيّة ، وإلّا فلو قصد به أغراضا نفسانيّا وغاية دنيويّة ، تترتّب عليه هذه الآثار ، كما دلّ عليه قول تعالى : (وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها ...)(١).
فتحصّل : أنّه لا يستفاد من الرّوايات المتقدّمة ، فساد العمل وعدم سقوط التّكليف والأمر ، إلّا بإتيانه مع قصد الأمر والتّقرّب إلى الله تعالى ، كي يقال : بدلالتها على التّعبّديّة في الواجبات ، بل إنّما هي ناظرة إلى أنّ ما يترتّب على العمل من أجر دنيويّ أو اخرويّ يدور مدار النّيّة ، وأنّ للعامل ما قصد ونواه.
هذا ، مضافا إلى أنّها لو دلّت على اعتبار قصد الأمر والقربة في كلّ واجب ، لزم تخصيص الأكثر المستهجن ؛ لكون أكثر الواجبات من قبيل التّوصّليّات الّتي لا يعتبر فيها قصد الأمر ونيّة القربة.
الوجه الثّالث : أنّه يكفي في الحكم بتعبّديّة الأمر ، قوله تعالى : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ...). (٢)
وفيه : أنّ الآية وردت في سياق قوله تعالى : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا ...) وعليه ، فغاية ما يستفاد منها أنّها كانت بصدد تخطئة الكفرة العبدة للأوثان والأصنام و
__________________
(١) سورة آل عمران (٣) : الآية ١٤٥.
(٢) سورة البيّنة (٩٨) : الآية ٥.