٣٢ ـ (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ)
«الدار» : مبتدأ ، و «الآخرة» نعت ل «الدار» ، و «خير» هو خبر الابتداء.
وقد اتسع فى «الآخرة» فأقيمت مقام الموصوف ، وأصلها الصفة ؛ قال الله تعالى : (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ) الضحى : ٤
فأما من قرأ «ولدار» بلام واحدة ، وأضافها إلى «الآخرة» ، فإنه لم يجعل «الآخرة» صفة ل «دار» ، وإنما «الآخرة» صفة لموصوف محذوف ؛ تقديره : ولدار الساعة الآخرة ، ثم حذفت «الساعة» وأقيمت الصفة. مقام الموصوف ، فأضيفت «الدار» إليها.
فالآخرة والدنيا ، أصلهما الصفة ، لكن اتسع فيهما فاستعملتا استعمال الأسماء ، فأضيف إليهما.
٣٣ ـ (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ
بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ)
«يكذّبونك» : من شدده حمله على معنى : ينسبونك إلى الكذب ؛ كما يقال : فسقت الرجل وخطأته ، إذا نسبته إلى الفسق والخطأ.
وأما من خففه ، فإنه حمله على معنى : لا يجدونك كاذبا ؛ كما يقال : أحمدت الرجل وأبخلته ، إذا أصبته بخيلا أو محمودا.
وقد يجوز أن يكون معنى التخفيف والتشديد سواء ، كما يقال : قللت وأقللت ؛ وكثرت وأكثرت ، بمعنى واحد.
٤٠ ـ (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ
إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)
«قل أرأيتكم» : الكاف والميم ، للخطاب ، لا موضع لها من الإعراب ، عند البصريين. وقال الفراء : لفظها منصوب ، ومعناها معنى مرفوع.
وهذا محال ، لأن الناهي الكاف فى «رأيتك» ، فكان يجب أن يظهر علامة جمع فى التاء ؛ وكان يجب أن يكون فاعلان لفعل واحد ، وهما لشىء واحد ؛ ويجب أن يكون قولك : رأيتك زيدا ما صنع؟ معناه : أرأيت نفسك زيدا ما صنع؟ لأن الكاف هو المخاطب ، وهذا الكلام محال فى المعنى ومناقض فى الإعراب والمعنى ؛ لأنك تستفهم عن نفسه فى صدر السؤال ، ثم ترد السؤال عن غيره فى آخر الكلام ، وتخاطب أولا ثم تأتى بغائب آخرا ، ولأنه يصير ثلاثة مفعولين ل «رأيت» ؛ وهذا كله لا يجوز ، لو قلت : رأيت عالما بزيد ، كانت الكاف فى موضع نصب ؛ لأن تقديره : رأيت نفسك عالما بزيد ، وهذا كلام صحيح ؛ قد تعدى «رأيت» إلى مفعولين لا غير.