ذكروا عن الحسن أنّه قال : ركوب النهي أشدّ من ترك الأمر. قال بعضهم : يعني بالأمر الذي فيه فضيلة ليس بسنّة لا تترك.
قوله عزوجل : (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ) : أي أخرجهم المشركون من مكّة (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً) : أي بالعمل الصالح (وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) (٨) : أي في القول والعمل.
(وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ) : أي وطّنوا الدار ، يعني المدينة (وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ) : يعني الأنصار. وكان إيمان الأنصار قبل أن يهاجر إليهم المهاجرون ، وكان إيمان المهاجرين قبلهم.
قال تعالى : (يُحِبُّونَ) : يعني الأنصار (مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا) : أي ممّا أوتي المهاجرون ، أي ممّا آثروهم به (١) من الطعام والشراب وغير ذلك ، في تفسير الحسن. وقال بعضهم : ممّا قسّم للمهاجرين من [أموال] (٢) بني النضير.
قال تعالى : (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ).
ذكروا أنّ رجلا من المهاجرين قام ثلاثة أيّام صائما ، يمسي فلا يجد ما يفطر عليه ، فيصبح صائما حتّى فطن له رجل من الأنصار يقال له : ثابت بن قيس ، فقال لأهله : إنّي أجيء الليلة بضيف لي. فإذا وضعتم طعامكم فليقم أحدكم إلى السراج كأنّما يصلحه فليطفئه ، ثمّ اضربوا بأيديكم كأنّكم تأكلون ، ولا تأكلوا حتّى يشبع الضيف. فلمّا أمسى وضع أهله طعامهم ، فقامت امرأته إلى السراج كأنّها تصلحه فأطفأته. ثمّ جعلوا يضربون بأيديهم إلى الطعام كأنّهم يأكلون ولا يأكلون ، حتّى شبع ضيفهم. وإنّما كانت خبزة هي قوتهم. فلمّا أصبح ثابت غدا إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فقال له النبيّ عليهالسلام : يا ثابت ، لقد رضي الله فعلكم البارحة بضيفكم. وأنزلت فيه : (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) أي : حاجة (٣).
__________________
(١) في ق وع : «أتوهم» ، وأثبتّ ما هو أصحّ وأبلغ : «آثروهم به» ، من مخطوطة ابن سلّام ، قطعة ١٨٠.
(٢) زيادة يقتضيها السياق.
(٣) حديث صحيح ، أخرجه البخاريّ في كتاب المناقب ، باب (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) عن أبي هريرة. وقد أكّد الحافظ ابن حجر العسقلانيّ أنّ الصحابيّ الذي نزلت فيه هذه الآية إنّما هو أبو طلحة وليس ثابت بن قيس ، وردّ هذه الرواية التي أوردها ابن سلّام ، وذكره باسمه يحيى بن سلّام.