وما قلناه سابقاً يؤكّد لك بأنّ السيرة في الشهادة بالولاية لم تكن قد نشأت في عهد الشيخ الطوسي رحمهالله ، أو من بعده ، بل هي كانت سيرة المتشرعة عند أغلب الطوائف الشيعية : زيدية ، وإسماعيلية ، واثني عشرية ، مختلفة في صيغ الأداء فيها ، فبعضهم يقول : « محمّد وعلي خير البشر » ، والآخر « محمّد وآل محمّد خير البرية » ، وثالث « أنّ علياً ولي الله » أو أن « علياً أمير المؤمنين » وأن هذه الصيغ هي التي حكاها الشيخ الصدوق في الفقيه والطوسي في المبسوط والنَّهاية ، وهو مما ينبأ بأن السيرة كانت قائمة على التأذين بها قبل عهد الصدوق عملاً ورواية .
لكن لم تكن هذه السيرة إلزاميّة على جميع المؤمنين ، ولم يؤت بها على نحو الجزئية حتّى نقول بتحقيق الشهرة فيها ، بل هي كانت تؤتى في بعض البقاع دون أُخرى ، وقد تكون في البقعة الواحدة يأتي بها البعض ويتركها الآخر لعدم كونها جزءاً من الأذان وهو ما نعنيه بكلمة الجواز .
فالذي نريد أن نؤكّد عليه هنا هو أنّ هذه السيرة لم يكن مرجعها الشيخ الطوسي حتى يقال فيها ما يقال ، وأنّ الفقهاء من بعده لم يكونوا يتّبعونه في الفتوى بجواز الاتيان بالشهادة بالولاية في الأذان تقليداً ، وإن كانوا يعيرون إليه كمال الاهتمام ، ويأخذون بقوله ويستندون على فتاواه ، مع ما لهم من أدلّة أُخرى كالعمومات ونحوها .
إذن ما ينبغي أن يقال : هو أنّ السيرة في رجحان الشهادة بالولاية مقرونة بتسالم الفقهاء بعدم الإثم في الإتيان بها ، شريطةَ أن لا تكون على نحو الجزئية والشطرية ، وقد أفتى بذلك السيّد المرتضى ، والشيخ الطوسي ، وابن البراج رحمهم الله تعالى وغيرهم ، وإنّ ترك الفقهاء من بعد الشيخ الطوسي التعرض لموضوع الشهادة بالولاية في كتبهم ، لا يعني عدم قولهم بمحبوبيتها بل لتسالمهم على عدم جزئيتها .