وكان من أشد المعارضين لعلي طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام ومعاوية بن أبي سفيان ؛ إذ رأوا أنه قعد عن نصرة عثمان ، وكان في استطاعته رد الناس عنه ، وكان من حجة بعضهم أنه ـ وقد بويع ـ يجب عليه أن يقتص من قتلة عثمان ، ويقول كل من طلحة والزبير : إنه أولى بالمطالبة بدم عثمان ؛ لأنه من الستة الذين انتخبهم عمر للشورى ، ومن السابقين للإسلام ، ويقول معاوية : إنه أولى الناس رحما بعثمان ، وأقوى أهل بيته على المطالبة بدمه (١).
يقول أبو الحسن الأشعري : «ثم بويع علي بن أبي طالب ـ رضوان الله عليه ـ فاختلف الناس في أمره ، فمن بين منكر لإمامته ، ومن بين قاعد عنه ، ومن بين قائل بإمامته معتقد لخلافته ، وهذا اختلاف بين الناس إلى اليوم» (٢).
وأما طلحة والزبير فقتلا يوم الجمل (٣) ، وبقي معاوية وحده حاملا لواء المعارضة لخلافة علي بن أبي طالب ، مستعصما بالشام مطمئنا إلى اخلاص أهله وصدق ولائهم.
لم يجد علي بن أبي طالب مفرا من قتال معاوية بن أبي سفيان للقضاء على خطره ورد المسلمين إلى ما كانوا عليه من وحدة وتماسك ، فقاتله في صفين (٤) وكاد النصر يتم له لو لا أن عمد معاوية إلى خدعة التحكيم ، «فقال لعمرو بن العاص : ألم تزعم أنك لم تقع في أمر فظيع فأردت الخروج منه إلا خرجت؟ قال : بلى ، قال : فما المخرج؟ قال له عمرو بن العاص : فلي عليك ألا تخرج مصر من يدي ما بقيت؟ قال : لك ذلك ، ولك به عهد الله وميثاقه ، قال : مر بالمصاحف فترفع ، ثم يقول أهل الشام لأهل العراق : يا أهل العراق كتاب الله بيننا وبينكم ، البقية البقية ، فإنه إن أجابك إلى ما تريده خالفه أصحابه ، وإن خالفك خالفه أصحابه» ، وكان عمرو بن العاص في رأيه الذي أشار به كأنه ينظر إلى الغيب من وراء حجاب رقيق ، فأمر معاوية أصحابه برفع المصاحف وبما أشار به عليه عمرو بن العاص ، ففعلوا ذلك ، فاضطرب أهل العراق على علي ـ رضوان الله عليه ـ وأبوا عليه
__________________
(١) أحمد أمين ، فجر الإسلام (ص ٤٠٤).
(٢) مقالات الإسلاميين ، (ص ٥٤ ، ٥٥).
(٣) كانت وقعة الجمل يوما واحدا وقتل من أهل البصرة وغيرهم ثلاثة عشر ألفا ومن أصحاب علي رضي الله عنه سبعة آلاف وقيل خمسة آلاف ، وقال العلامة الذهبي : قتل بينهما ثلاثون ألفا وكانت الوقعة يوم الجمعة.
ينظر : تاريخ الإسلام للذهبي جزء «الخلفاء» (ص ٤٨٤) ، سمط النجوم العوالي (٢ / ٥٧١).
(٤) ينظر : أخبار ذلك في تاريخ الإسلام «الخلفاء» (ص ٥٤٠) ، سمط النجوم (٢ / ٥٧٥) ، مروج الذهب (٢ / ٣٨٤) ، تاريخ خليفة بن خياط (ص ١٤٦) ، المحاسن والمساوئ ص (٤٨).