ومكنتهم من أن يصيروا الحزب الخالد الذي لا يزال باقيا بتمام قوته ووجوده إلى اليوم» (١).
إذن فقد أسهمت هذه الأحداث المفجعة في تكوين فرقة الشيعة وفي إنتاج آرائها في السياسة ثم في العقيدة ، وبيّن أن هذا العامل التاريخي يستند على الشعور والوجدان أكثر مما يقوم على البرهان والحجة.
وثمة عامل آخر ساعد بشكل كبير على قوة التيار الشيعي ، ومنحه ذيوعا وانتشارا ، وتأثيرا في الحياة السياسية ، ألا وهو انضمام الموالي الفرس إلى الحركة الشيعية.
والحق أن فكرة الشيعة عن الخلافة وما ذهبوا إليه من ضرورة تخصيصها بعلي وبنيه لاءمت إلى حد كبير نظرية الحق الملكي المقدس التي اعتنقها الفرس ؛ يقول الأستاذ دوزي موضحا حقيقة هذا العامل : «إن الشيعة فرقة فارسية في حقيقتها وجوهرها ... إن الفارسي لم يكن يستطيع أن يتصور أن يوجد خليفة بالانتخاب ، فهذه الفكرة غير معهودة له وغير معقولة ، وإنما المبدأ الوحيد الذي يمكنه أن يفهمه هو مبدأ الوراثة ، وكل الذي كان هو في حاجة إليه ، وقد تغيرت بيئته واعتنق دينا جديدا ، هو أن ينقل ولاءه ويحول وجهة شعوره من أفراد أسرة مقدسة إلى أخرى. فليس من المبالغة إذن في شيء ـ وإن كان الدافع ونوع العاطفة ولا شك مختلفين وكان حدوث العملية غير شعوري ـ أن يقال : إن «البيت النبوي» ، وقد مثله آل علي ، قد حل في قلوب الفرس واعتبارهم محل بيت آل ساسان» (٢).
ويسعنا أن نضيف سببا آخر يفسر لنا انضمام الفرس إلى الشيعة وهو دفاعهم عما رأوه حقّا لعلي وبنيه ، وهو اضطهاد الأمويين للموالي والذي أورثهم شعورا مؤلما بانخفاض مستواهم المعيشي ، وتدني مكانتهم الاجتماعية عن العرب.
نتج عن العوامل السابقة مجتمعة تطور الفكرة الشيعية وتبلور ملامحها ، وغدا للشيعة رأي محدد في الإمامة ذكره ابن خلدون فقال : «إن الإمامة ليست من المصالح العامة التي تفوض إلى نظر الأمة ، ويتعين القائم بتعيينهم ، بل هي ركن الدين وقاعدة الإسلام ، ولا يجوز لنبي إغفالها ولا تفويضها إلى الأمة ، بل يجب عليه تعيين الإمام لهم ، ويكون معصوما من الكبائر والصغائر ، وإن عليّا ـ رضي الله عنه ـ هو الذي عينه صلوات الله
__________________
(١) د / محمد ضياء الدين الريس ، النظريات السياسية الإسلامية (ص ٦٩ ، ٧٠).
(٢) ينظر : محمد ضياء الدين الريس ، النظريات السياسية الإسلامية (ص ٧١).