أقوال التابعين (١).
يقول الدكتور الذهبي : وإنما أدرجنا في التفسير بالمأثور ما روي عن التابعين ـ وإن كان فيه خلاف : هل هو من قبيل المأثور أو من قبيل الرأي ـ لأنا وجدنا كتب التفسير بالمأثور : كتفسير ابن جرير وغيره ، لم تقتصر على ذكر ما روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم وما روي عن أصحابه ، بل ضمت إلى ذلك ما نقل عن التابعين في التفسير (٢).
وعلى هذا ، فمصادر التفسير بالمأثور أربعة : القرآن الكريم ، والسنة المطهرة ، وأقوال الصحابة ، وأقوال التابعين.
المصدر الأول : القرآن الكريم :
يطلب تفسير القرآن العظيم أول ما يطلب من القرآن نفسه فحيثما ظفرنا بطلبنا في ذلك من القرآن لم يجز أن نعدل عنه إلى غيره بوجه من الوجوه ؛ وذلك لأمور أربعة كلها من البدهيات المسلمة من كافة من يعتبرون من أهل الإيمان ، بل من العقلاء.
أحدها : أن صاحب البيت أدرى بالذي فيه ، وأن خير من يفسر القول بالتالي هو قائله بنفسه.
ثانيها : أن من المعلوم من الدين بالضرورة أن القرآن هو المصدر الأول والدعامة الرئيسية التي يقوم عليها بنيان شريعة الإسلام ، بحيث لا يمكن أن يتم الإيمان بهذه الشريعة إلا بعد الأخذ بمحتوى هذا المصدر والإذعان لجميعه جملة وتفصيلا.
وثالثها : أن ذلك ولا ريب هو من جملة مقتضى الأوامر الإلهية الموجبة لطاعته تعالى فيما تنازعنا فيه فضلا عما اتفقنا عليه من أمثال قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) [النساء : ٥٩].
رابعها : كون القرآن كلام رب العالمين أفضل كل قول وأحسن كل حديث ؛ فلا يعدل عن الأفضل ما أمكن إلى المفضول ، وأنه معجزة بجملته وتفصيله بلفظه ومعناه ، بهدفه وغايته إلى غير ذلك من عظيم خصائصه وكريم فضائله ، فكيف يدعه العاقل إلى ما دونه في جميع ذلك؟!
لجميع هذه الأسباب وغيرها رأينا أهل الحق لا يطلبون تفسير القرآن من غيره ما
__________________
(١) د. الذهبي : التفسير والمفسرون (١ / ١٥٤).
(٢) السابق : الصفحة نفسها.