منهم» (١).
وأقول : إن الاستخفاف باللغة العربية وقواعدها وزعم الاستغناء عنها باللسانيات الحديثة خرق لأصول العلم ومناهجه وتشكيك فيما أصبح من عداد المسلمات.
رابعا : اخترقت المدرسة المعاصرة في التفسير الثوابت ، فذهبت ـ مثلا ـ إلى أن السنة تجربة تاريخية خاصة بعصرها الذي ظهرت فيه ولا تلزم ما بعده من العصور ، وهذا الاختراق مرفوض ؛ لأنه يعرض الدين للتحلل من عقده ، ويفتح الأبواب على مصارعها للأفكار الهدامة تفعل فعلها في كيان الأمة.
وأقول : إن على المتطلعين إلى التجديد وبناء المناهج أن يعرفوا أن الثوابت هي العاصم والحافظ لكيان الأمة وعليها مدارها ، فالمساس بها والنيل منها هو مساس بروح الأمة وطعن لها في عمودها الفقري ، وتعريض لها لمزيد من الخطر والضياع ؛ ذلك أنه ـ كما يقول سيد قطب رحمهالله ـ «لكل نجم ولكل كوكب فلكه ومداره ، وله كذلك محوره الذي يدور عليه المدار ، وكذلك الحياة البشرية لا بد لها من محور ثابت ، وإلا انتهت إلى الفوضى والدمار» (٢).
ولسنا بكل ما ذكرناه ننفي تبني المناهج التي تبنتها المدرسة الفكرية المعاصرة في تفسير القرآن الكريم جملة وتفصيلا ، فهذا إن فعلناه أصابنا الجمود والوقوف عند حد التقليد دون التجديد والإبداع ، وهذا مخالف لما دعا إليه القرآن الكريم في كل المجالات ، بل وفي مجال التعامل معه ـ أي مع القرآن ـ فقد قال الله تعالى : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) [محمد : ٢٤] والتدبر يعني الفهم المتجدد ؛ إذ لو كان التدبر يعني الوقوف عند فهم القدماء للقرآن ، لما أمرنا الله عزّ وعلا بتدبره ، ولكان أمرنا باتباع أسلافنا وحسب ؛ وهذا ينافيه طبيعة القرآن المتجددة.
إذن فإن هناك دعوة إلى التجديد في تفسير القرآن الكريم ، وتجريب المناهج الحديثة ، ولكن ذلك مضبوط بضوابطه التي منها :
أولا : احترام الثوابت ، وعدم هدمها.
__________________
(١) الجيلاني بن التوهامي مفتاح : المدرسة الفكرية المعاصرة في تفسير القرآن الكريم (العدد ١٠٢ ـ المسلم المعاصر) ص (٦٠).
(٢) خصائص التصور الإسلامي (الاتحاد الإسلامي للمنظمات الطلابية ، ط ٣ ، ١٤٠٣ ه ـ ١٩٨٣ م) (ص ٦٧).