وقد يتوجه اسم الرب إلى المالك ؛ إذ كل من ينسب إليه الملك يسمّى أنه مالكه ، ولا يسمّى أنه سيد إلا فى بنى آدم خاصة.
واسم الرب يجمع ذلك كلّه ؛ لذلك كان التوجيه إلى المالك أقرب ، وإن احتمل المروى عن ابن عباس ـ رضى الله عنه ـ إذ هو فى الحقيقة سيّد من ذكر وربّهم. والله الموفق.
ثم اختلف أهل التفسير فى العالمين :
فمنهم من رد إلى كل ذى روح دب على وجه الأرض.
ومنهم من رد إلى كل ذى روح فى الأرض وغيرها.
ومنهم من قال : لله كذا ، كذا عالم.
والتأويل عندنا ما أجمع عليه أهل الكلام : أن العالمين : اسم لجميع الأنام والخلق جميعا. وقول أهل التفسير يرجع إلى مثله ، إلا أنهم ذكروا أسماء الأعلام ، وأهل الكلام ما يجمع ذلك وغيرهم.
ثم العالم اسم للجميع ، وكذلك الخلق ، ثم تعريف ذلك بالعالمين والخلائق يتوجه إلى جمع الجمع ، من غير أن يكون فى التحقيق تفاوت ، وقد يتوجه إلى عالم كل زمان وكذا خلق كل زمان على حكم تجدد العالم. وبالله التوفيق.
وفى ذلك أن الله ـ عزوجل ـ ادعى لنفسه : رب العالمين كلهم ، من تقدم وتأخر ، ومن كان ويكون ، ولم يقدر أحد أن ينطق بالتكذيب ، يدّعى شيئا من ذلك لنفسه ؛ فدل ذلك على أن لا رب غيره ، ولا خالق لشىء من ذلك سواه ؛ إذ لا يجوز أن يكون حكيم أو إله ينشئ ويبدع ولا يدعيه ، ولا يفصل ما كان منه ما كان لغيره ، وبنفسه قام ذلك لا بغيره ؛ وعلى ذلك معنى قوله تعالى : (وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ) [المؤمنون : ٩١] فهذا ـ مع ما فى اتّساق التدبير ، واجتماع التضاد ، وتعلق حوائج بعض ببعض ، وقيام منافع بعض ببعض ، على تباعد بعض من بعض وتضادها ـ دليل واضح على أن مدبر ذلك كله واحد ، وأنه لا يجوز كون مثل ذلك من غير مدبّر عليم. والله المستعان.
وقوله : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ).
اسمان مأخوذان من الرحمة ، لكنه روى فيهما : رقيقان أحدهما أرقّ من الآخر ، وكأن الذى روى عنه هذا أراد به لطيفان أحدهما ألطف من الآخر ، دليل ذلك وجهان :
أحدهما : مجىء الأثر فى ذلك ـ اللطيف ـ فى أسماء الله تعالى مع ما نطق به