وقوله : (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
أى : لكى تشكروا. وكذلك قوله : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات : ٥٦] أى : لكى يوحدوا.
وذلك يحتمل وجوها :
يحتمل : أن يشهد خلقه كلّ أحد على وحدانيته ، وكذلك يشكر خلقه كلّ أحد له.
ويحتمل : عبادة الأخيار بوحدانيته ، والشكر له بما أنعم وأفضل عليه ، وذلك يرجع إلى من يعبد ويوحد.
ويحتمل : أنه خلقهم ؛ ليأمرهم بالعبادة ، والشكر له ، من احتمل منهم الأمر بذلك.
وقوله : (وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ).
يعنى : التوراة. والكتاب : اسم لكل مكتوب.
وقوله : (وَالْفُرْقانَ).
قيل : سميت فرقانا ؛ لما فرق وبيّن فيها الحلال والحرام ، وكل كتاب فرق فيه بين
__________________
ـ وأجيب ثالثا بأننا حتى لو سلمنا لكم أن التعذيب أصلح وأن المغفرة غير أصلح فإن هذا لا ينهض دليلا لما فهمتموه ؛ لأن تجويز ترك الأصلح الذى هو التعذيب معلق على المغفرة والمغفرة محال وقوعها ، والمعلق على المحال محال ، فترك التعذيب الذى هو أصلح محال. وعلى هذه الأجوبة الثلاثة تكون الخصومة متحققة بين الماتريدية والمعتزلة بما فيهم الزمخشرى.
رابعا : لو سلمنا لكم جواز هذا الفهم الذى فهمتموه من كلام الزمخشرى وأنه يجوز عنده ترك الأصلح إلى غيره إذا اقتضت الحكمة الترك. فإن هذا لا يعدو أن يكون رأيا للزمخشرى وليس رأيا لكل المعتزلة.
هذا ويمكن التوفيق بين الفريقين ، بما نقله الشيخ صالح شرف عن بعض العلماء من أنه : لا يعقل أن يكون هناك خلاف بل مرادهم بوجوب الأصلح على الله تعالى أنه لا بد من حصوله وكل ما هو واقع بالعبد فهو أصلح لأن فيه حكمة ومصلحة سواء أكان فعلا أم تركا وسواء أكان نافعا للعبد فى دينه أم لا ، ولا يعنون بالوجوب عليه الإكراه أو سلب الاختيار ، بل المعنى أنه لا بد من حصوله وأن أفعال الله لا تخلو عن الحكم والمصالح ـ وإن خفيت علينا ـ ولذلك قال الإمام الفاضل محمد عبده رحمهالله تعالى : (قد قطع البرهان بأن الواجب لا يكون عابثا فى أفعاله بل لا بد أن تكون مبنية على الحكمة التامة وأنه ليس شىء مما يبرز فى الوجود بقاصر عن المصالح لولاها لم يكن فى الوجود ، بل ربما كان يختل به نظام كل موجود فإذا التفتنا إلى تعداد تفصيل هذه الحكم فقد ندرك الحكمة بوجه وقد لا ندركها ، وعدم إدراكنا لها لا يوجب عدمها لما قام من البرهان ، فقول المعتزلى يجب على الله الأصلح ، إن كان يريد ما ذكرناه فنعم ولا خلاف لأصحابنا معه خصوصا الماتريدية لأنهم لا يجوزون العبث على الله تعالى ، وإن كان يريد أن يجب عليه الأصلح أى يجب عليه أن يراعى المصالح على حسب ما نحن نفهمه وندركه فذلك ضرب من الجهالة كأنه يريد أن يضرب لله قانونا لا يجوز لله تجاوزه على حسب عقله السخيف).
ينظر أصول البزدوى ص (١٢٦) ، ونشر الطوالع ص (٢٨١) ، وحاشية البيجورى ص (٧٦) ، والنشر الطيب للوزانى ص (٢ / ١٠٣).