ونهيه ، وقالوا : نجعل ذلك اليوم السبت ؛ لأنه لم يخلق لعمل. فحرم الاصطياد فى ذلك اليوم لذلك وحولوا قردة ؛ عقوبة لهم لما نهوا عن الاصطياد فى ذلك اليوم فاصطادوا.
وعلى ذلك تأويل قوله : (إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ) [النحل : ١٢٤] يعنى : يوم الجمعة.
وقيل : (اخْتَلَفُوا فِيهِ) ، يعنى : فى الله.
ثم اختلف فى قوله : (فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) :
قال قوم (١) : قوله : (كُونُوا قِرَدَةً) من الأصل ؛ على ذهاب الإنسانية منهم.
وقيل (٢) : حوّل جوهرهم إلى جوهر القردة ، على إبقاء الإنسانية فيهم ؛ من الفهم والعقل ؛ لأنه قيل : إن الذين كانوا ينهونهم عن الاصطياد فى ذلك اليوم دخلوا عليهم ، فيقولون لهم : ألم ننهكم عن ذلك ، ونزجركم؟!
فأومئوا : أى نعم. ودموعهم تفيض على خدودهم.
فلو كان التحويل على ذهاب جميع الإنسانية منهم لكانوا لا يفهمون ذلك ، ولا حزنوا على ما أصابهم ؛ لأن كلّ ذى جوهر راض بجوهره الذى خلقه الله سبحانه يسرّ به.
ولأن تحويله إياهم قردة عقوبة لتمردهم فى التكذيب ، وجرأتهم على الله ؛ ليعلموا ذلك ، ويروا أنفسهم أقبح خلق الله وأوخشه.
وفيه نقض قول المعتزلة ؛ لأنهم يقولون : ليس فى خلق الله قبيح.
فلو لم يكن فى خلق الله قبيح لم يكن لتحويل صورتهم من صورة الإنسان ، إلى أقبح صورة معنى ؛ ليروا قبح أنفسهم ؛ عقوبة لهم بما عصوا أمر الله ، ودخلوا فى نهيه.
وقوله : (فَجَعَلْناها نَكالاً).
قيل (٣) : الهاء راجعة إلى القرية التى كانوا فيها.
وقوله : (لِما بَيْنَ يَدَيْها).
من أهل القرية.
وقوله : (وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ).
حواليها.
وقيل : أراد بالهاء : القرية ، (لِما بَيْنَ يَدَيْها) من القرى ، (وَما خَلْفَها) من القرى.
__________________
(١) هذا قول ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه بنحوه (١١٣٩ ، ١١٤٠) ، وانظر الدر المنثور (١ / ١٤٧).
(٢) هذا قول مجاهد ، أخرجه ابن جرير عنه بنحوه (١١٤٤ ، ١١٤٥) ، وانظر الدر المنثور (١ / ١٤٧).
(٣) قاله ابن جرير فى تفسيره (١ / ٣٧٥).