فالنتيجة لا يتخلّف الحكم عن موضوعه أصلا إلّا بنحو البداء الذي يستحيل في حق الباري عزّ اسمه المبارك.
وليعلم ان البداء بالمعنى الذي يستحيل في حق الباري جلّ وعلى عبارة عن ظهور الخطأ والاشتباه في حكم الحاكم وجعل الجاعل وتقنين المقنن مع بقاء الموضوع بحاله ، ولهذا يعدل عنه وجعل حكما آخر.
ومن الواضح ان هذا المعنى مستلزم لجهل الحاكم ابتداء والجهل مستحيل في حقّه (جلّ جلاله) تعالى عن ذلك علوّا كبيرا.
وبتقرير أخصر وهو أن البداء بمعنى ظهور الشيء بعد خفائه مستحيل في حق الباري (جلّت عظمته) لاستلزامه الجهل بعواقب الحكم والجعل والتقنين.
وامّا البداء بمعنى اظهار الشيء بعد اخفائه فليس بمستحيل في حقّه (عزّ اسمه) لعدم استلزامه الجهل بل يستلزم العلم بالعواقب والنتائج ، كما لا يخفى.
ولأجل هذا يكون النسخ بحسب الحقيقة والواقع دفعا لا رفعا وإن كان بحسب الظاهر رفعا ، ولا بد هنا من بيان الأمرين :
الأوّل : هو توضيح دخل الشيء حدوثا في الموضوع ودخله فيه بقاء. أمّا دخل الشيء حدوثا فكالأعلمية في مرجع التقليد.
وعليه فإذا قلّده زيد مثلا حال كونه أعلم من غيره ثم صار غيره أعلم فالأعلمية ممّا يحتمل دخله في وجوب التقليد حدوثا كما يحتمل دخله فيه بقاء.
وأمّا دخل الشيء بقاء فكما إذا احتمل دخل عدم فسخ الصبي الذي عقد له الولي في بقاء العقد بعد بلوغه ورشده. وعليه فإذا فسخه بعد البلوغ والرشد فلا يمكن اجراء الاستصحاب ، أي استصحاب بقاء أثر العقد لاحتمال دخل عدم فسخ المعقود له ، وهو الصبي في بقاء أثر العقد وحينئذ فلا يحرز بقاء الموضوع مع الفسخ المذكور كما لا يمكن اجراء استصحاب بقاء وجوب تقليد زيد الأعلم بعد