قوله : لا يخفى أنّ التكليف المعلوم بينهما مطلقا ...
لا يخفى عليك ان نوع التكليف معلوم بين المتباينين ، كالوجوب مثلا أو جنس التكليف معلوم بينهما ، كالالزام ، ولكن لا يعلم ان الوجوب هل تعلق بالعتق ، أو بالصيام مثلا ، فالوجوب معلوم والواجب مردّد بينهما ، أو لا يعلم ان الالزام هل تعلق بفعل هذا الشيء كي يكون واجبا ، أو بترك ذاك الشيء حتّى يكون حراما. مثلا : يعلم إجمالا أنّه إمّا هذا المعيّن واجب ، أو ذاك المعيّن حرام ، فيكون هذا العلم الاجمالي كالعلم الاجمالي بحرمة أحد الأمرين ، أو بوجوب أحد الأمرين فالعلم الاجمالي يقتضي الاحتياط في الثاني ، وهو يتحقّق بترك الأمرين معا. وبفعل الأمرين جميعا ، فكذا يقتضيه في الأوّل ، وهو يتحقّق بإتيان محتمل الوجوب ؛ وبترك محتمل الحرمة.
ومن هذا البيان فقد ظهر الفرق بين المحذورين والمتباينين ، إذ في الأوّل تعلّق الوجوب والحرمة بشيء واحد ؛ وفي الثاني قد تعلّق الوجوب بشيء والحرمة بشيء آخر ؛ وقد يمكن أن يتعلّق الوجوب فقط بهذا الشيء ، أو بشيء آخر ، هذا معيار الفرق بينهما.
ولا يخفى عليك أيضا أن التكليف المعلوم بالاجمال إن كان فعليا من جميع الجهات بأن كان واجدا لما هو العلّة التامّة للبعث والزجر من الإرادة والكراهة المنقدحتين في نفس المولى على طبق الوجوب والحرمة ، كما تقدّم هذا المطلب في بحث الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي فهو منجّز يصح العقاب على مخالفته لا محالة وحينئذ تكون أدلّة البراءة الشرعية مخصّصة عقلا لأجل وضوح مناقضتها مع الإرادة والكراهة المحققتين على طبق التكليف المعلوم بالاجمال فلا تجري اصالة البراءة في أطراف العلم الاجمالي لا كلّا ولا بعضا إذا كان على طبقه الإرادة والبعث أو الكراهة والزجر وإن كان عموم أدلّة البراءة الشرعية الدالّة على الرفع والسعة والوضع والاباحة تشمل بعمومها لأطراف العلم الاجمالي أيضا كما تشمل