(هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى) (٢٣) [النجم : ٢٣] وإن إخراجها عما قبلها وما بعدها يكون إخراجها لها عما يحدد أطرافها.
وقوله تعالى : (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ) [المنافقون : ٤] وصف كامل لكل جماعة يغلب عليها الخور والجبن ، ولكنها وصف للمنافقين ، وإخراجها عما جاءت فيه يعمم معناها ، وهى مخصوصة فى السياق.
١٣٣ ـ وننتهى من هذه النظرات إلى الكلمات السامية ، نجدها فى ألفاظها ذات عموم ، ولكن لها فى حيزها خصوص مثل قوله تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) فهى فى حيزها ذات عموم ، لأن كونها حكمة لأحكام مقررة يجعل لها عموما ، ولا يقيدها حيزه ، لأنها منطلقة ، وكذلك مثل قوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) [البقرة : ٢٨٦] وقوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها) [الطلاق : ٧] أما الآيات الكريمات الأخرى ، فإنها إذا ذكرت منفردة عن أخواتها كانت مثلا من جوامع الكلم وكان لها العموم ، وإذا أخذت مع أخواتها قيدت.
وعلى أى حال ، فإن إيجاز الحذف فيها ثابت ، ولا مانع من استعمالها كأعلى مثل سائر ، والله أعلم.
وإن الإيجاز بغير حذف كلمات كثيرة فى القرآن لا تكاد تخلو منه سورة ، بل جزء من السورة ، بل صفحة من صفحاته النورانية ، وقد قلبنا بعض صفحات فى القرآن فوجدنا العبارات الآتية ، وكلها فيها إيجاز قصر ، ومن ذلك :
١ ـ قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ) [البقرة : ٢١٦] فإن هذا النص له معان كثيرة شاملة يطبق فى كل آمر يحبه الإنسان ، وعاقبته وبيئة أو لا يدرى عاقبته ، ولا ما يترتب عليه ، ومثل ذلك قوله تعالى : (فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) (١٩) [النساء : ١٩]
٢ ـ ومنه قوله تعالى : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) [البقرة : ٢٥١] فإن هذا النص الكريم يشير إلى المعركة الدائمة بين الخير والشر ، والحق والباطل ، والفضيلة والرذيلة ، وأن سيطرة الرذيلة والشر والباطل فساد فى الأرض ومقاومة الخير للشر دفع للفساد ، وفيه إشارة إلى أن مقاومة الشر بسلاحه من غير انحدار إلى الرذيلة رحمة بالناس. فدفع الشر رحمة ورد الاعتداء ، وفى هذه الآية إشارة إلى نظرية الحرب الفاضلة والسلم الفاضلة.