ضلالة قلوبهم ، وكاشفوا إخوانهم بالعداوة ، وحاربوهم على طلب الرئاسة والتفرّد بالأمر والنهي ، وكيف يكون التمكين في الدّين وانتشار الأمر في المؤمنين مع إثارة الفتن وايقاع الحروب كلّا : (اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا)(١).
قال الصادق عليهالسلام : وكذلك القائم عليهالسلام تمتدّ أيّام غيبته ليصرح الحق عن محضه ، وليصفو الإيمان من الكدر بارتداد كلّ من كانت طينته خبيثة ، من الشيعة الّذين يخشى عليهم النفاق اذا أحسّوا بالاستخلاف والتمكين والأمن المنتشر في عهد القائم عليهالسلام.
قال المفضل : فقلت : يا ابن رسول الله ، إنّ النواصب تزعم أنّ هذه الآية نزلت في أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ.
قال : لا يهدي الله قلوب الناصبة ، متى كان الدّين الّذي ارتضاه الله ورسوله متمكّنا بانتشار الأمن في الأمّة ، وذهاب الخوف من قلوبها ، وارتفاع الشكّ من صدورها في عهد أحد من هؤلاء وفي عهد عليّ عليهالسلام ، مع ارتداد المسلمين والفتن الّتي كانت تثور في أيامهم ، والحروب الّتي كانت تنشب بين الكفّار وبينهم ، ثمّ تلا الصادق عليهالسلام : (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا)(٢).
وأمّا العبد الصالح الخضر عليهالسلام : فإنّ الله تبارك وتعالى ما طوّل عمره لنبوّة قدّرها له ، ولا لكتاب ينزّله عليه ، ولا لشريعة ينسخ بها شريعة من كان قبله من الأنبياء ، ولا لإمامة يلزم عباده الاقتداء بها ، ولا لطاعة يفرضها له. بلى ، إنّ الله تبارك وتعالى لمّا كان في سابق علمه أن يقدّر من عمر القائم عليهالسلام في أيّام غيبته ما يقدّر ، وعلم ما يكون من إنكار عباده بمقدار ذلك العمر في الطول ، طوّل عمر العبد الصالح من غير سبب أوجب ذلك ، إلّا لعلّة الاستدلال به على عمر القائم عليهالسلام ، وليقطع بذلك حجّة المعاندين ، لئلّا يكون للناس على الله حجّة (٣).
الآية الرابعة قوله تعالى (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ
__________________
(١) اقتباس من الآية ٣٧ من سورة هود : وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا.
(٢) يوسف : ١١٠.
(٣) كمال الدّين ٢ / ٣٥٣ ؛ بحار الأنوار ٥١ / ٢١٩.