لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) قال عليهالسلام : هم الأئمّة عليهمالسلام (١).
٥٧٩ ـ وعنه بإسناده عن سدير الصيرفي ، قال : دخلت أنا والمفضّل بن عمر ، وأبو بصير ، وأبان بن تغلب ، على مولانا أبي عبد الله جعفر بن محمّد عليهالسلام ، فرأيناه جالسا على التراب وعليه مسح خيبري مطوّق بلا جيب ، مقصّر الكمّين ، وهو يبكي بكاء الواله الثكلى ذات الكبد الحرّاء ، قد بان الحزن من وجنتيه ، وشاع التغيير في عارضيه ، وأبلى الدموع محجريه وهو يقول : سيّدي غيبتك نفت رقادي ، وضيّقت عليّ مهادي ، وابتزّت منّي راحة فؤادي ، سيّدي غيبتك وصلت مصابي بفجائع الأبد ، وفقد الواحد بعد الواحد يفنى الجمع والعدد ، فما أحسّ بدمعة ترقى من عيني ، وأنين يفتر من صدري ، من دوارج الرزايا ، وسوالف البلايا ، إلّا ما لقيني عن غوائل أعظمها وأقطعها ، وبواقي أشدّها وأنكرها ، ونوائب مخلوطة بغضبك ، ونوازل معجونة بسخطك.
قال سدير : فاستطارت عقولنا ولها ، وتصدّعت قلوبنا جزعا ، من الخطب الهائل ، والحادث الغائل ، وظننّا انّه أسمت لمكروهة قارعة ، أو حلّت من الدهر بائقة ، فقلنا : لا أبكى الله ـ يا ابن خير الورى ـ عينيك ، من أيّ حادثة تسترقي دمعتك ، وتستمطر عبرتك ، وأيّة حالة حتّمت عليك هذا المأتم؟
قال : فزفر الصادق عليهالسلام زفرة انتفخ منها جوفه ، واشتدّ منها خوفه ، وقال : ويلكم نظرت في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم ، وهو الكتاب المشتمل على علم المنايا والبلايا وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ، الّذي خصّ الله به محمّدا والأئمّة من بعده عليهمالسلام ، وتأمّلت فيه مولد غائبنا وغيبته ، وابطاءه وطول عمره ، وبلوى المؤمنين في ذلك الزمان ، وتولّد الشكوك في قلوبهم من طول غيبته ، وارتداد أكثرهم عن دينهم ، وخلعهم من ربقة الإسلام عن أعناقهم ، الّذي قال الله جلّ ذكره : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ)(٢) يعني الولاية ، فأخذتني الرقة واستولت عليّ الأحزان.
فقلنا : يا ابن رسول الله كرّمنا وفضّلنا بإشراكك إيّانا في بعض ما أنت تعلمه من علم ذلك.
__________________
(١) الكافي ١ / ١٩٣ ح ٤ ؛ تفسير الصافي ٣ / ٤٤٣.
(٢) الإسراء : ١٣.