سورة الأنبياء
(اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ) اقترب : دنا ، واللام يحتمل أن تكون صلة ويحتمل أن تكون تأكيدا ، كقولهم : " أزف للحيّ رحيلهم" ، فإن قيل : كيف وصف القرب وقد غدت دونه سنون كثيرة ، قلت : هو مقترب عند الله ، كقوله تعالى : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) ، وعن ابن عباس : المراد بالناس : المشركون ، وهو من باب إطلاق اسم الجنس على بعضه للقرينة القائمة ، لأن ما يتلوه من التلاوة من صفات المشركين.
(فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) الذكر : القرآن.
(وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ) أي : أهلكنا ، والقصم بالقاف أقطع من الفصم ، لأنه يبيّن الأجزاء بعضها من بعض ، وعن ابن عباس : القرية : حضورا والسّحول قريتان من قرى اليمن بعث الله إليها نبيا فقتلوه ، فسلط الله عليهم بخت نصّر فاستأصلهم ، وظاهر الآية على الكثرة ، قيل : اسم النبي حنظلة بن صفوان.
(فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ) أي : دعوتهم ، والضمير عائد إلى قوله : " يا ويلنا".
(حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ) فإن قيل : نصبت" جعل" ثلاثة مفاعيل ، قلت : حكم الاثنين الآخرين حكم الواحد ، كقوله : جعلته حلوا حامضا ، أي : جامعا للطعمين ، وكذلك" حصيدا خامدا" جامعا للوصفين.
(كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما) الرّتق : الالتئام ، وضده الفتق ، والتقدير : كانتا شيئا مرتوقا ، أي متلاصقين أو متلاصقات ، قيل : فتقهما بالمطر والنبات.
(فِجاجاً سُبُلاً) الفجّ : الطريق الواسع ، وقد تقدّم ، وقدّمت على" السّبل" هاهنا على أنها حال ، لا صفة ، بخلاف قوله تعالى : (لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلاً فِجاجاً) [نوح ـ ٢٠] فإن قيل : ما الفرق بين الصفة والحال؟ قلت : أما الحال فإعلام من أول وهلة بأنه جعل طرقا واسعة في السبل ، والثاني : إعلام بالصفة لحصول الإبهام في النكرة ليحصل تخصّصها بذلك.
(خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) فسّر بالعجلة ، وقيل : من طين ، قال الشاعر :
والنّبع في الصخرة الصماء منبته |
|
والنّخل ينبت بين الماء والعجل |