بل هذا العنوان مشير إلى معنونه وهو الوجوب أو الحرمة وعليه فلا مجال للبراءة الشرعية لأنّ مع العلم الإجمالي بالوجوب أو الحرمة لا يصدق موضوعها إذ المرفوع هو ما لا يعلمونه مطلقا لا تفصيلا ولا إجمالا والمقام ممّا يعلم إجمالا وإن لم يعلم بالتفصيل فلا تجري البراءة الشرعية مع العلم الإجمالي بالوجوب أو الحرمة. قال سيّدنا الإمام المجاهد قدسسره أنّ الظاهر من أحاديث البراءة عدم شمولها لأطراف العلم لأنّ المراد من العلم فيها هو الحجة أعم من العقلية والشرعية لا العلم الوجداني وقد شاع إطلاق العلم واليقين على الحجة في الأخبار كثيرا والمفروض أنه قامت الحجة في أطراف العلم على لزوم الاجتناب على أنّ المنصرف أو الظاهر من قوله «ما لا يعلمون» كونه غير معلوم من رأى بمعنى المجهول المطلق لا ما علم وشك في انطباق المعلوم على هذا وهذا (١).
وثانيا : كما في منتقى الاصول أنّ الحكم بالبراءة شرعا إنّما هو بملاحظة جهة التعذير عن الواقع وبملاك معذورية المكلّف بالنسبة إلى الواقع المحتمل وهذا إنّما يصحّ فيما كان احتمال التكليف قابلا لداعوية المكلّف وتحريكه نحو المكلّف به بحيث يكون المكلّف في حيرة منه وقلق واضطراب فيؤمنه الشارع أمّا إذا لم يكن الأمر كذلك بل كان المكلّف آمنا لقصور المقتضي فلا معنى لتأمينه وتعذيره وما نحن فيه كذلك لأنّ احتمال كلّ من الحكمين بعد انضمامه واقترانه باحتمال الحكم المضاد له عملا لا يكون بذي أثر في نفس المكلّف ولا يترتب عليه التحريك والداعوية لأنّ داعوية التكليف ومحركيته بلحاظ ما يترتب عليه من أثر حسن من تحصيل ثواب أو فرار عن عقاب أو حصول مصلحة أو دفع مفسدة واذا فرض تساوي الاحتمالين في الفعل لم يكن أحدهما محركا للمكلف لا محالة إلى أن قال : ومن هنا يظهر أنّه لا مجال لاجراء البراءة العقلية في خصوص كلّ من الحكمين إذ لا موضوع لها بعد خروج المورد عن مقسم التعذير والتنجيز (٢).
__________________
(١) تهذيب الاصول / ج ٢ ، ص ٢٥٧.
(٢) منتقي الاصول / ج ٥ ، ص ٢٥ ـ ٢٦.