وثالثا : أنّ مع تقدم حكم العقل بالتخيير لا ثقل للوجوب أو الحرمة لأنّ العقل يحكم بالترخيص والتخيير بين الفعل والترك ومع عدم الثقل كيف يرفع الثقل بعموم رفع ما لا يعلمون.
ورابعا : أنّ الحكم بالبراءة شرعا لا معنى له في المقام لأنّ البراءة من الأحكام الظاهرية ومن المعلوم أنّ الأحكام الظاهرية لا بدّ لها من آثار شرعية وإلّا لكانت لغوا وجعل البراءة فيما نحن فيه لا أثر له بعد حكم العقل بالترخيص والتخيير بين الفعل والترك.
ودعوى : أنّ الملحوظ في الحكم الظاهري هو كلّ واحد من الوجوب والحرمة مستقلا باعتبار أنّ كلّ واحد منهما مشكوك فيه مع قطع النظر عن الآخر فيكون مفاد رفع الوجوب ظاهرا هو الترخيص في الترك ومفاد رفع الحرمة ظاهرا هو الترخيص في الفعل فكيف يكون جعل الحكم الظاهري لغوا (١).
مندفعة : بأنّ هذا يتم فيما إذا لم يكن دوران بين المحذورين وإلّا فالترخيص حاصل بضرورة الاضطرار ولا حاجة معه إلى جعل الترخيص وملاحظة كلّ طرف من الوجوب والحرمة مستقلا عن الآخر خروج عن محلّ الكلام وهو دوران الأمر بين المحذورين وملاحظة كلّ طرف مع الآخر تنافي الحكم بالبراءة للعلم الإجمالي بوجود أحد الأمرين من الوجوب أو الحرمة فتحصّل ممّا ذكرناه أنّه لا مجال للبراءة عقلية كانت أو شرعية كما لا مجال للإباحة الشرعية في الدوران بين المحذورين من التوصليات فيما إذا كانت الواقعة واحدة هذا كلّه بالنسبة إلى القول الأوّل.
وأما القول الثاني وهو التوقف فلعله من جهة توهم عدم تمامية القواعد العقلية والشرعية عند قائله ولكنّ لا مجال له بعد ما سيأتي إن شاء الله تعالى من تمامية القول الخامس من التخيير العقلي.
وأما القول الثالث وهو تقديم جانب الحرمة بملاك أولوية دفع المفسدة من جلب المنفعة
__________________
(١) مصباح الاصول / ج ٢ ، ص ٣٣٠.