ففيه أوّلا : أنّ إطلاق ذلك ممنوع والشاهد له وضوح تقديم الصلاة على ازالة النجاسة عن المسجد في ضيق الوقت أو تقديم حفظ النفس على حرمة الغصب فيما إذا توقف الحفظ على التصرف في مال الغير من دون إذنه.
وثانيا : كما أفاد شيخنا الأعظم قدسسره أنّ المصلحة الفائتة بترك الواجب أيضا مفسدة وإلّا لم تصلح للالزام إذ مجرد فوت المنفعة عن الشخص وكون حاله بعد الفوت كحاله فيما قبل الفوت لا يصلح وجها لالزام شيء على المكلّف ما لم يبلغ حدا يكون في فواته مفسدة وإلّا لكان أصغر المحرمات أعظم من ترك أهم الفرائض مع أنّه جعل ترك الصلاة أكبر الكبائر (١).
وثالثا : كما في مصباح الاصول وعلى تقدير التسليم فإنّما يتم ذلك فيما إذا كانت المفسدة والمصلحة معلومتين وأمّا لو كان الموجود مجرد احتمال المفسدة فلا نسلم أولوية رعايته من رعاية احتمال المصلحة كيف وقد عرفت عدم لزوم رعاية احتمال المفسدة مع القطع بعدم وجود المصلحة كما إذا دار الأمر بين الحرمة وغير الواجب فلا وجه للزوم مراعاة احتمال المفسدة مع احتمال المصلحة أيضا (٢) ويشهد لذلك عدم وجود البناء على رعاية مجرد احتمال المفسدة مع القطع بعدم وجود المصلحة فضلا عن ما إذا احتمل وجود المصلحة.
نعم ربما يستدل لتقديم جانب الحرمة في الدوران بين المحذورين بأنّ مقتضى القاعدة في الدوران بين التعيين والتخيير هو الأخذ بما يحتمل فيه التعيين وهو الحرمة.
وفيه : أنّ ما يحتمل فيه التعيين ربّما يكون الوجوب فلا وجه لتخصيصه بجانب الحرمة هذا مضافا إلى ما أورد عليه شيخنا الأعظم قدسسره من أنّ هذه القاعدة غير جارية في أمثال المقام ممّا يكون الحاكم فيه العقل فإنّ العقل إمّا أن يستقل بالتخيير وإمّا أن يستقل بالتعيين فليس في المقام شك على كلّ تقدير وإنّما الشك في الأحكام التوقيفية التي لا يدركها العقل إلّا أن يقال إنّ احتمال أن يرد من الشارع حكم توقيفي في ترجيح جانب الحرمة ولو لاحتمال
__________________
(١) فرائد الاصول / ص ٢٣٩.
(٢) مصباح الاصول / ج ٢ ، ص ٣٢٩.