شمول أخبار التوقف لما نحن فيه كاف في الاحتياط والأخذ بالحرمة (١).
يمكن أن يقال : إنّ أخبار التوقف بعد تسليم اختصاصها بالشبهة التحريمية وعدم شمولها للشبهة الوجوبية لا تدلّ بعد ما عرفت إلّا على الاستحباب جمعا بينها وبين الأخبار الدالة على البراءة والإباحة فلا يوجب الأمر الاستحبابي وجوب ترجيح جانب الحرمة مع أنّ المراد من الأولوية هي الأولوية اللزومية لا المرجحية فتأمل.
نعم ذهب في الكفاية إلى أنّ استقلال العقل بالتخيير إنّما هو فيما لا يحتمل الترجيح في أحدهما على التعيين ومع احتماله لا يبعد دعوى استقلاله بتعينه (٢).
ويمكن الجواب عنه كما في مصباح الاصول بأنّ الوجه في تقديم محتمل الأهمية فيما إذا لم يكن لشيء منهما إطلاق هو أنّ كلا من الحكمين يكشف عن اشتمال متعلقه على الملاك الملزم وعجز المكلّف عن استيفائهما ممّا يقتضي جواز تفويت أحدهما فعند احتمال أهمية أحد الحكمين بخصوصه يقطع بجواز استيفاء ملاكه وتفويت ملاك الآخر على كلّ تقدير.
وأما تفويت ملاك ما هو محتمل الأهميّة ولو باستيفاء ملاك الآخر فلم يثبت جوازه فلا مناص حينئذ من الأخذ بمحتمل الاهمية.
وهذا الوجه للزوم الأخذ بالتعيين غير جار في المقام إذ المفروض أنّ الحكم المجعول واحد مردد بين الوجوب والحرمة فليس في البين اطلاقان وملاكان ونسبة العلم الإجمالي إلى كلّ من الحكمين على حدّ سواء فالحكم بالتخيير باق على حاله (٣). وبالجملة مورد تقديم محتمل الأهميّة فيما إذا تزاحم الملاكان وليس هذا إلّا إذا كان المجعول متعددا وإلّا فلا مورد للتزاحم ولا للتقديم المذكور كما في المقام.
وأما القول الرابع وهو الحكم بالتخيير الشرعي نظير التخيير في الأخذ باحد الخبرين المتعارضين فلا دليل عليه بخلاف الخبرين فإنّ التخيير فيهما على القول به للأخبار الواردة
__________________
(١) فرائد الاصول / ص ٢٣٩.
(٢) الكفاية / ج ٢ ، ص ٢٠٧.
(٣) مصباح الاصول / ج ٢ ، ص ٣٣٣.