هذا كلّه بالنسبة إلى القاعدة العقلية وبناء العقلاء وعدم ملاحظة الأدلة الشرعية وأمّا مع ملاحظة أدلّة البراءة الشرعية فقد عرفت أنّها بعمومها وخصوصها تدلّ على البراءة حتّى في أطراف المعلوم بالاجمال ويمكن الأخذ بها والجمع بينها وبين المعلوم بالاجمال بحمل المعلوم على غير الفعلي كما هو مقتضى الجمع بين الأحكام الواقعية والظاهرية نعم يمنع عن ذلك الأدلة الخاصّة الدالة على وجوب الاحتياط في أطراف المعلوم بالاجمال من دون فرق بين الشبهة التحريمية وبين الشبهة الوجوبية إلّا أنّ الأدلة الخاصة الدالة على وجوب الاحتياط مختصة بغير التدريجيات وعليه فالتدريجيات تبقى تحت عمومات البراءة.
ويترتب عليه وجوب التمام على من أراد المسافرة والخروج عن البلد عند الشك في وصوله إلى حد الترخص لاستصحاب كونه في البلد ووجوب القصر على المسافر الذي أراد البلد وشك في وصوله إلى حدّ الترخص لاستصحاب كونه في السفر فوجب عليه اتيان الصلاة قصرا وإن علمنا اجمالا بمخالفة احدهما للواقع ولا حاجة إلى الاحتياط لسقوط الواقع عن الفعلية اللهمّ إلّا أن يقال بالغاء الخصوصية وعدم الفرق بين الفعليات والتدريجيات فحينئذ لا يترك الاحتياط في التدريجيات فلا تغفل.
التنبيه الثاني : في موارد جواز الرجوع وعدمه إلى الأصل الطولي قال في مصباح الاصول إنّ الأصل الجاري في أحد طرفى العلم الإجمالي إمّا أن يكون من سنخ الأصل الجاري في الطرف الآخر أو يكون مغايرا له وعلى الأوّل إمّا أن يكون أحد الطرفين مختصا بجريان الأصل الطولي فيه دون الآخر أو لا يكون كذلك فهذه أقسام ثلاثة :
أمّا القسم الأوّل وهو ما كان الأصل الجاري في طرف من سنخ الجاري في الطرف الآخر مع اختصاص أحدهما بالأصل الطولي كما إذا علم بوقوع نجاسة في الماء أو على الثوب فإنّ الأصل الجاري في كلّ منهما مع قطع النظر عن العلم الإجمالي هو أصالة الطهارة ولا اشكال في سقوطها وعدم جريانها في كلّ الطرفين لما تقدم فلا يجوز التوضى بالماء ولا لبس الثوب في الصلاة إلّا أنّ العلم بالنجاسة لا أثر له في حرمة لبس الثوب بل يجوز لبسه مع العلم