التعيين والتخيير لا من موارد الدوران بين الأقل والأكثر.
يمكن أن يقال : إنّ العبرة في الأحكام بعالم تعلّق الوجوب وعالم الجعل وهو عالم التحليل وفي هذا العالم يمكن الافتراق حتّى بين الجنس والفصل وذات الخاصّ والخصوصية بالتحليل العقلي كما نقول في تعريف الإنسان أنّه مركب من الحيونة والنطق مع أنّ مقتضى المقابلة هو أن لا يكون النطق داخلا في الحيونة وليس ذلك إلّا لكون الملحوظ في طرف الجنس ماهية مبهمة وبهذا الاعتبار يدور الأمر بين الأقل والأكثر ولا يضره الاتحاد الخارجي لأنّ الخارج ظرف السقوط لا الثبوت وعليه فدعوى عدم جريان البراءة في المتحد الخارجي كالجنس والفصل ونحوهما بدعوى عدم كونه من الأقل والأكثر ممنوعة لكفاية التحليل العقلي الذهني بعد وضوح كون الذهن ظرف الثبوت لا الخارج كما لا يخفى ولذا قال سيّدنا الإمام المجاهد قدسسره تجري البراءة في الجميع على وزان واحد من غير فرق بينما له منشأ انتزاع مغاير وما ليس له كذلك لأنّ الموضوع ينحل عند العقل إلى معلوم ومشكوك (١).
فإذا شككنا في أنّ المولى أمر باتيان الحيوان أو أمر باتيان الفرس مثلا فالموضوع في الخارج وإن لم يكن منحلا ولكنّه لا يوجب اشكالا بعد ما عرفت من أنّ الميزان هو الانحلال عند الذهن وعالم الجعل والوجوب لا في الخارج وفي عالم الجعل وتعلّق الوجوب يدور الأمر بين الأقل والأكثر لأنّ عروض الوجوب لذات الجنس ولو بنحو الابهام كالحيوان معلوم وإنّما شك في عروض الوجوب للزائد عليه فيجري البراءة في المشكوك ويحكم بكفاية الذات من دون حاجة إلى ضم ضميمة لأنّ تصور الجنس بنحو الاهمال يكفي في تحقّق المعلوم والمشكوك لا يقال إنّ المبهم لا يكون مورد تعلّق الحكم لأنّا نقول لا مانع منه ألا ترى أنّ الشبح الذي لا نعلم أنّه حيوان أو إنسان يتعلّق به الحكم كحرمة التعرض بالنسبة إليه كما يصحّ إسناد الرؤية إليه أيضا بقولنا رأينا الشبح من بعيد فدعوى عدم تعلّق الحكم
__________________
(١) تهذيب الاصول / ج ٢ ، ص ٣٤٦.