وذلك لما عرفت من أنّ الذي يجب بحسب الحقيقة ويدخل في عهدة المكلف ليس هو الغرض أو المسبب المجهول لعدم التمكن منهما بدون معلومية أسبابها بل الذي يجب هو المقدار المبيّن من السبب وعليه فإذا شككنا في بيان المولى من جهة دخالة الزائد في السبب أمكن الأخذ بالبراءة في المقدار الزائد على ما بينه بعنوان السبب فإنّ ذلك ممّا للشرع فيه دخالة ويشمله عموم حديث الرفع كما لا يخفى.
ولا يلزم فيه أن يكون السبب مجعولا شرعيا بل يكفى في جريان البراءة كون السبب ممّا يتكفل الشارع لبيانه وتحديده وحينئذ لا يدخل في العهدة من السبب إلّا المقدار المبيّن وفي الزائد عليه تجري البراءة هذا. واستشكل سيّدنا الاستاذ المحقّق الداماد أيضا في ذلك بأنّ اجراء البراءة عقلا ونقلا فيما إذا تردّد الأمر بين الأقل والأكثر في نفس متعلقات التكليف لا يلازم اجرائها في دوران الأمر بينهما في الأسباب والمحصّلات مطلقا أمّا في الاسباب العادية والعقلية فواضح وأمّا في الأسباب الشرعية فلأنّ رفع الجزئية المشكوكة أو الشرطية كذلك وإن كان برفع منشأ انتزاعها اعني سببية الأكثر المجعولة شرعا حسب الفرض إلّا أنه لما لا يثبت سببية الأقل إلا بناء على التعويل على الأصول المثبتة لأشكل إجراؤها.
وإن شئت قلت حيث إنّ البيان بالنسبة إلى المسبب تمام وليس له جزء أو شرط مشكوك فلذا ليس هو محط الأصل لا شرعا ولا عقلا فيجب إحراز الإتيان بهذا الأمر البسيط إمّا وجدانا أو تعبدا وهذا لا يتحقق إلّا بإتيان الأكثر أو إثبات سببية الأقل وحيث لا يمكن الثاني لا بد من إتيان الأكثر وهذا بخلاف دوران الأمر بين الأقل والأكثر في متعلقات التكاليف فإنّه يقال فيه إنّ رفع وجوب الأكثر وإن كان لا يثبت وجوب الأقل إلّا على الأصل المثبت ولذا يصير الأقل بعد رفع الوجوب عن الأكثر بالأصل مشكوكا بالشك البدوي إلّا أنه ليس مجرى الأصل لأنّ جريان الأصل فيه يؤدي إلى الترخيص في المخالفة القطعية وهو قبيح بحكم العقل فمقتضى العلم الإجمالي فيه باق على حاله بعد فتدبّر فإنّه