لنا علم اجمالي باعتبار شيء في المأمور به غاية الأمر أنّا لا ندري أنّ المعتبر هو وجوده أو عدمه في المأمور به فلا بدّ من الاحتياط والاتيان بالعمل مع وجوده تارة وبدونه أخرى تحصيلا للعلم بالفراغ بخلاف دوران الأمر بين الأقل والأكثر فإنّه ليس فيه إلّا احتمال اعتبار شيء في المأمور به فيكون مجرى للبراءة فكيف يقاس العلم بالاعتبار على الشك فيه. (١)
وهذا هو الذي ذهب إليه في الكفاية من وجوب الاحتياط حيث قال في مفروض المسألة إنّه كان من قبيل المتباينين ولا يكاد يكون من الدوران بين المحذورين لامكان الاحتياط باتيان العمل مرتين مع ذاك الشيء مرة وبدونه أخرى (٢) ومقتضى اطلاقه هو عدم الفرق بين كون طرفي المعلوم بالاجمال توصليين أو تعبديين.
أورد عليه سيّدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدسسره بأنّ على القول بجريان البراءة الشرعية في الشك في الشرطية والجزئية فتجري في المقام فيما لا يلزم منه مخالفة القطعية العملية بناء على عدم المحذور في الالتزامية منها والحاصل أنّ من كان بناؤه على البراءة الشرعية في دوران الأمر بين الأقل والأكثر عن جزئية المشكوكة أو شرطيتها يلزمه القول بالتخيير في المقام فيما إذا كان المشكوك اعتبار وجوده أو عدمه توصليا حيث لا يلزم من اجراء الأصل (٣) حينئذ مخالفة قطعية عملية والمفروض انه لا محذور في المخالفة الالتزامية.
والعجب من المحقّق الخراساني والمحقّق النائيني قدسسرهما حيث ذهبا في الشك في الشرطية والجزئية إلى البراءة الشرعية واختارا هنا وجوب الاحتياط بتكرار العمل فالحق بعد مع الشيخ قدسسره حيث أختار التخيير بناء على القول بعدم وجوب الاحتياط في تلك المسألة وعدم حرمة المخالفة القطعية الالتزامية والاحتياط بناء على القول بوجوب الاحتياط فيها أو القول بحرمة المخالفة القطعية ولو كانت التزامية وكلامه قدسسره وإن كان خاليا عن التقييد بما إذا
__________________
(١) مصباح الاصول / ج ٢ ، ص ٤٨٧.
(٢) الكفاية / ج ٢ ، ص ٢٥٤.
(٣) أي من اجراء الأصل في كل طرف من أطراف المعلوم بالاجمال ولو كان متعلق التكليف هو الطبيعة لا الفرد.