التحريمية الموضوعية مع امكان تحصيل العلم فيها بسهولة بحيث لو فحص بأدنى الفحص ارتفع الشك فاللازم في جواز جريان البراءة هو أن يكون الشك مستقرا وقد مضى تفصيل ذلك في التنبيه الثامن من البراءة فراجع.
وأمّا الشبهات الحكمية فقد استدل لاعتبار الفحص في الرجوع إلى البراءة بامور : الأوّل دعوى الإجماع القطعي على عدم جواز العمل بأصل البراءة قبل استفراغ الوسع في الأدلة قال شيخنا الأعظم قدسسره إنّ في الاجماع القطعي كفاية.
أورد عليه في الكفاية بأنّه لا يخفى أنّ الاجماع هاهنا غير حاصل ونقله لوهنه بلا طائل فإنّ تحصيله في مثل هذه المسألة ممّا للعقل اليه سبيل صعب لو لم يكن عادة بمستحيل لقوة احتمال أن يكون المستند للجل لو لا الكل هو ما ذكر من حكم العقل.
وفيه أنّ الاجماع ربّما يكون غير متوقف على الأدلة الموجودة في المقام بحيث لو لا الأدلة كان بناء الأصحاب على لزوم الفحص ففي هذه الصورة يكون الاجماع حجة قال سيّدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدسسره والظاهر أنّه لا مجال لهذه المناقشة للقطع بأنّه لو لم يكن في البين شيء من تلك الأدلة العقلية والنقلية أيضا لم يكن بناء الأصحاب على العمل بالبراءة قبل الفحص واليأس عن الدليل فهذا الاجماع العملي منهم حجة ودليل على عدم فهمهم من أدلّة البراءة الاطلاق أو دليل على تخصيصها على فرض أنّ لها اطلاق فتأمّل انتهى. (١)
هذا مضافا إلى أنّ الاستناد إلى الأدلة لا يضر إذا اتّصل الاجماع في كلمات القدماء إلى اجماع أصحاب الائمة عليهمالسلام فإنّه كاشف حينئذ عن تقرير الإمام على ما مر في بحث الاجماع مفصلا وذهب اليه بعض الأكابر.
الثاني حصول العلم الإجمالي لكل أحد قبل الأخذ في استعلام المسائل بوجود واجبات ومحرمات كثيرة في الشريعة ومعه لا يصح التمسك بأصل البراءة لما تقدم من أنّ مجراه الشك في أصل التكليف لا في المكلف به مع العلم بالتكليف.
__________________
(١) المحاضرات لسيدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدسسره / ج ٢ ، ص ٥٠٢.