البدلية لأنّ الأذن في البعض ليس إذنا في المعصية ولا يكون منافيا للتكليف الواقعي المعلوم بالإجمال لما ذكرنا في محله من اختلاف مرتبة الحكمين فحينئذ فالعمدة اثبات دلالة هذه الأخبار في بعض الأطراف بعد رفع اليد عن دلالتها الأولية بحكم العقل (١).
ففيه كما أفاد استاذنا الأراكي قدسسره أنّ (الترخيص) في بعض الأطراف على وجه الإطلاق (أي من دون جعل البدل) لا يلائم مع الإلزام المطلق وعلى كلّ تقدير بل بينهما تهافت وتناقض وبسببه يرتفع العلم الإجمالي حتّى بالمطلوب المطلق بإطلاق المادة أيضا لمناقضة الترخيص المطلق معه أيضا فلا يبقى ملزم عقلي للاحتياط.
فاللازم على المولى في الفرض المذكور جعل الترخيص مقرونا بجعل البدل حتّى يسدّ باب ابتلاء المكلّف بمحذور الموافقة القطعية بواسطة الترخيص ويجعله ملزما برعاية واقعه بجعل البدل (٢).
وبالجملة أنّ الترخيص في البعض من دون جعل البدل ينافي ما ذهبوا إليه من امتناع الترخيص في جميع الأطراف لكونه إذنا في المعصية أو لكونه ظلما في حق المولى أو لكونه نقضا لغرض المولى لأن المحذورات المذكورة باقية على تقدير المصادفة وعدم جعل البدل هذا بخلاف ما إذا كان مقرونا بجعل البدل وعليه فالترخيص المقرون بجعل البدل بالنسبة إلى بعض الأطراف ممكن ولو على مبنى من ذهب إلى امتناع الترخيص في جميع الأطراف.
ودعوى : ان هذا النحو من الترخيص محلّ إشكال بالنسبة إلى مبنى الأعاظم لأنّ مبناهم أنّ العلم الإجمالي إذا أوجب أن يكون الترخيص في طرفيه إذنا في المعصية أو الظلم ومناقضا لكون البعث حقيقيا بداعي جعل الداعي فهذا لا يكون إلّا بأن يصير التكليف الواقعي في مرتبة التنجز فمعه لا يعقل بدليّة أحد الطرفين في الظاهر فإنه لو كان التكليف في الطرف الآخر فترخيص ترك امتثاله اذن في المعصية والظلم ومناقض لداعي البعث أو الزجر
__________________
(١) الدرر / ص ٤٥٧ ، ط جديد.
(٢) أصول الفقه / ج ٣ ، ص ٦٦٣.