والبعض الآخر يُرجع هذا التحول إلىٰ عامل نفسي ، فيدّعي أن المأمون قد اشتهر بالعفو ومقت الانتقام وكان يكره إراقة الدماء ، ومن دلائل ذلك معاملته السمحة للعلويين الذين ثاروا ضده ، فقد عفا عن محمد بن محمد بن زيد وأسكنه داراً ، كما عفا عن محمد بن جعفر الصادق واشترك في تشييع جنازته وقام بسداد ديونه (١). كما عفا المأمون أيضاً عن عبد الرحمن بن أحمد العلوي الذي أعلن الثورة في بلاد اليمن (٢). وقد فات هؤلاء بأن المأمون قد قتل أخاه وصلب جثته ، فكيف والحال هذه أن نقتنع بحبه للعفو وكرهه لإراقة الدماء ؟!.
وهناك رأي مفاده أن المأمون عرف الحق لأهله وتنكر لسيرة الماضين من آبائه الذين أمعنوا في ظلم أهل البيت عليهمالسلام قتلاً وسماً وتشريداً ، وذلك بناءً على رواية أوردها الصدوق عن أحمد بن محمد بن اسحاق ، قال : حدثني أبي قال : لما بويع الرضا عليهالسلام بالعهد اجتمع الناس إليه يهنئونه ، فأومى إليهم فأنصتوا ، ثم قال : « .. بسم الله الرحمن الرحيم ، إن أمير المؤمنين عضده الله بالسداد ووفّقه للرشاد عرف من حقّنا ما جهله غيره ، فوصل أرحاماً قطعت ، وأمّن نفوساً فزعت ، بل أحياها وقد تلفت ، وأغناها إذ افتقرت ، مبتغياً رضا رب العالمين.. » (٣).
________________
(١) مقاتل الطالبيين : ٥٤١ ، والفخري في الآداب السلطانية : ١٦٥.
(٢) تاريخ الطبري ٧ : ١٦٨ ـ ١٦٩.
(٣) عقيدة الشيعة الإمامية / هاشم معروف الحسني : ١٦١ و ١٦٢ ، والرواية في عيون أخبار الرضا عليهالسلام ٢ : ١٥٧ ، ح ١٧ ، باب (٤٠).