المبحث الثاني : عصر الإمام الرضا عليهالسلام ثقافياً
لقد رافق عصر الإمام الرضا عليهالسلام حركة فكرية بلغت الغاية في نشاطها وانتشارها ، فقد اتسعت رقعة الاسلام وكثرت الفتوحات ، واتصل المسلمون بالامم الاخرى من فرس وروم وغيرهم ، وكان المأمون أول من ترجم علوم الحكمة وقرب أهلها ، فظهرت ـ على اثر ذلك ـ مقالات غريبة وتيارات أجنبية عن الاسلام ، وكان الملحدون يلقون الشبهات ، والمرجئة يساندون حكام الجور ، والمغالون يدعون مع الله آلهة أخرىٰ والخوارج يكفرون المسلمين ، وكثير من الرواة يضعون الأحاديث بطلب من الحكام لاغراض سياسية أو مذهبية. وكانت صور الصراع الفكري تتمثل في الخطابات المتبادلة ومجالس المناظرة وعن طريق الاستعانة بالشعراء في الدفاع عن آراء كل فريق وهجاء الفريق الآخر ، فقد كان لكل فريق شعراءه ، وعموماً كان الشعر من أمضى الاسلحة (١).
وفي هذا العصر انتشر التشيع في كل قطر ، وبرزت معالمه ، وتركزت أسسه وانتشر فقه الشيعة وناظر متكلموهم خصومهم في مسائل التوحيد والعدل وعصمة الأنبياء وما إلىٰ ذلك من مسائل عقيدية ، كل ذلك بفضل الجهد العلمي الكبير الذي اضطلع به الامام الصادق عليهالسلام ، وكان من نتائج هذا الجهد المبارك أن عرف المذهب على حقيقته ، اصولاً وفروعا ، ومن هنا اطلق على الشيعة لفظ الجعفريين وعلى فقههم الفقه الجعفري تيمناً
________________
(١) انظر : جهاد الشيعة : ٢١٢.