ومن أجلى الشواهد على ذلك أن المأمون
وجد في يوم عيد انحراف مزاج أحدث عنده ثقلاً عن الخروج الى الصلاة بالناس ، فقال لأبي الحسن علي الرضا عليهالسلام
: يا أبا الحسن قم وصل بالناس ، فخرج الرضا عليهالسلام
وعليه قميص قصير أبيض وعمامة بيضاء لطيفة ، وفي يده قضيب.. فلما رآه الناس هرعوا إليه وانثالوا عليه لتقبيل يديه ، فأسرع بعض الحاشية الى الخليفة المأمون ، فقال : يا أمير المؤمنين تدارك الناس واخرج وصلّ بهم وإلا خرجت الخلافة منك الآن ، فحمله على أن يخرج بنفسه وجاء مسرعاً ، والرضا عليهالسلام
بعد من كثرة زحام الناس عليه لم يخلص الى المصلى ، فتقدم المأمون وصلّىٰ بالناس (١). ومن هنا يبدو متوقعاً أن يسعى المأمون
للتخلص من الامام عليهالسلام
عن طريق دس السّم اليه ، كما سيأتي في محله من هذا البحث. وخلاصة القول أن الإمام الرضا عليهالسلام عاصر أحداثا سياسية
جسيمة عصفت بالبيت العلوي خاصة وبالمسلمين عامة ، فقد قضى شطراً كبيراً من عمره زمن هارون يشاهد مأساة العلويين ، وخاصة بعد سجن أبيه عليهماالسلام
ومن ثم اغتياله بالسم ، ومعاصرته للصراع الدموي الذي تفجر داخل الكيان العباسي بين الاخوين (الأمين والمأمون) حيث انقسمت الدولة العباسية التي كانت كياناً واحداً الى شطرين متحاربين. وفي خضم هذه الاحداث وقف الامام عليهالسلام بكل شموخ مدافعاً عن
صرح الإسلام العظيم ، معريّاً السلطة مما كانت تذيعه من شرعية وجودها السياسي. ________________ (١)
كشف الغمّة / أبي الحسن الإربلي ٣ : ٥٨ ، وانظر : الإرشاد ٢ : ٢٦٤ ، وعيون أخبار
الرضا عليهالسلام ٢ : ١٦٠ / ٢١٦ ، باب (٤٠).