فقال : « أتجدُ هذا في الإنجيل ثابتاً يا جاثليقُ ؟! » قال : نعم (١).
إن قراءة متمعنة ما بين سطور هذه المناظرة تكشف عن الأفق المعرفي الرَّحب الذي يتمتع به الإمام الرضا عليهالسلام ، ويهمنا هنا الإشارة إلى أن إمامنا عليهالسلام حاول إصلاح الفكر والمقولات والرؤى لأقطاب أهل الأديان والملل من خلال الحجج القوية المجلجلة التي قرعت آذانهم وأفحمتهم أيّما إفحام. ومن السهل أن نكتشف أن الإمام عليهالسلام قد اتبع المنهج النقلي مع أهل الكتاب ممثلين بالجاثليق النصراني ورأس الجالوت اليهودي ، فقد احتج على أهل التوراة بتوراتهم ، وعلى أهل الإنجيل بإنجيلهم ، وعلى أهل الزَّبور بزبورهم لتكون الحجة عليهم أقوم ، ولقد وجدنا كيف أن الجاثليق رفض الاحتكام إلى نصوص القرآن ، قائلاً منذ البداية : كيف اُحاجّ رجلاً يحتجُ عليَ بكتاب أنا منكره ، وبنبيٍّ لا أُؤمنُ به ؟!
لذلك وقف إمامنا معهم على أرض مشتركة من الفهم ، حيث خاطبهم بلغتهم وأورد نصوصاً من كتبهم لا يسعهم إنكارها.
من المعروف أن النصارى تغلو في شخص عيسى عليهالسلام فتسلب منه صفته البشرية وتمنحه صفة الاُلوهية وتعتقد بأنه ابن الله جلَّ تعالى عن ذلك ، وإمامنا الرضا عليهالسلام في الوقت الذي أثبت فيه نبوة نبينا صلىاللهعليهوآلهوسلم بالدليل النقلي الوارد بالإنجيل عن طريق بشارة المسيح عليهالسلام لحوارييه بمبعثه من بعده ، أبطل بالدليل العقلي عقيدة النصارى في المسيح المتّسمة بالغلو
________________
(١) التوحيد : ٤١٧ ـ ٤٤٠ ، باب (٦٥).