علومه ومعارفه بصورة سرية ، ويتصرف في حدود الهامش الضيق المتاح له ، وقد أشرنا لرواية هشام بن سالم التي ذكر فيها أن الإمام الكاظم عليهالسلام دعاه إلى التمسك بالسرية التامة ، فإذا أذاع فهو الذبح ! وأشار بيده إلى حلقه.
وقد وصل الأمر في زمانه الىٰ حد (أن الراوي إذا روى الحديث عنه لايسنده إليه بصريح اسمه ، بل بكناه : مرة بأبي ابراهيم ، وأبي الحسن ، وبألقابه الاخرى ؛ العبد الصالح ، والعالم وأمثالهما ، وبالإشارة إليه تارة كقوله عن رجل ، اذ قلما تجد اسمه الشريف صريحاً في حديث ، لشدة التقية في أيامه ولكثرة التضييق عليه ممن عاصره من العباسيين كالمنصور والمهدي والهادي ، وبقي سلام الله عليه يحمل إلى السجن مرة ويطلق منه أخرى أربعة عشر سنة ، وهي مدة أيامه مع الرشيد) (١) إلى أن انتهت رحلة العذاب التي قطعها بوفاته مسجوناً مسموماً.
مع كل ذلك واصلت مدرسة أهل البيت عليهمالسلام عطاءها العلمي ولكن في الخفاء والتستر ، وقد قيض الله تعالى لها رائداً جديداً ، وعلماً خفاقاً ، ذاع صيته في جميع الآفاق ، ألا وهو الإمام الرضا عليهالسلام.
صحيح أن امامنا الرضا عليهالسلام لم يعاصر جدّه تاريخياً ، ولكن الصحيح أيضاً أنه عاصره علمياً ، وذلك لأن والده الكاظم عليهالسلام كان قد عاش مع أبيه الصادق عليهالسلام مدة عقدين من الزمن ، والامام الرضا عليهالسلام ـ بدوره ـ قد عاصر
________________
(١) جهاد الشيعة : ٣٠٠.