يضيقون الخناق عليهم ، ولم يقتصر التضييق على الأرزاق ، وحرية التعبير ، بل سدّوا عليهم المنافذ والمجالات من جهاتها ، ومن هذه المنافذ نافذة العلم والتدريس ، فبينما كان الطريق العلمي يكاد يكون مفتوحاً علىٰ مصراعيه أمام الإمام الصادق عليهالسلام حتىٰ وصلت مدرسته إلى أوج مجدها العلمي ، وجد نفسه أمام عاصفة التحول السياسي التي أطاحت بالحكم الأموي وجاءت بالحكم العباسي ، الذي وقف بعنف تجاه كل التيارات التي يشمّ من ورائها رائحة السياسة ، وفي مقدمتها التيار العلوي الذي كان بعض رجاله يقودون حركات تمرّد على السلطة العباسية هنا أو هناك..
وجاء دور أبي جعفر المنصور ، ثاني خلفاء بني العباس ، فلم يستطع تحمّل ما يراه من امتداد مجد الإمام جعفر الصادق عليهالسلام فمنذ تولّي السلطة (لم يهدأ خاطره ، فلم يزل يقلب وجوه الرأي ، ويدير الحيل للتخلص من الامام الصادق عليهالسلام لأن مدرسته قد اكتسبت شهرة علمية بعيدة المدىٰ فلم ترق له هذه الشهرة الواسعة) (١).
ومن الشواهد علىٰ ذلك ما رواه نقلة الآثار من خبره مع المنصور لما أمر الرَّبيع باحضار أبي عبد الله عليهالسلام فأحضره ، فلما بصر به المنصور ، قال له : قتلني الله إن لم أقتلك ، أتلحدُ في سلطاني وتبغيني الغوائل ؟! فقال له أبو عبد الله عليهالسلام : « والله ما فعلتُ ولا أردتُ ، فإن كان بلغك فمن كاذب.. » (٢). فاتجه الى التضييق على الإمام الصادق عليهالسلام مدّة حياته.
________________
(١) الإمام الصادق / د. حسين الحاج : ٨.
(٢) الارشاد ٢ : ١٨٢.