اسكنت بيوتها الثكل والحزن والحداد ، وروعت المسلمين وأشاعت القتل فيما بينهم فقد كان عدد الضحايا بسببها عشرة آلاف نصفهم من اصحابها والنصف الآخر من أصحاب الامام (١) وقد دمرت بخروجها على الامام وشائج الصلات بين المسلمين ، ونسفت أواصر الأخوة الاسلامية التي عقدها الرسول الكريم ، وفتحت باب الفتن والشر بين أمة محمد (ص) كما مهدت العصيان لمعاوية وبني أميّة ، وعبدت لهم الطريق ليتخذوا من دم عثمان وسيلة الى الظفر بالحكم وإلى استعباد المسلمين واذلالهم.
لقد اجمع أئمة المسلمين على تأثيم القائمين بهذا التمرد وانه لا مبرر له بحال من الاحوال كما نعتوهم بالبغاة وان الواجب الديني يقضي بمناجزتهم عملا بقوله تعالى : ( فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ ) يقول أبو حنيفة :
« وما قاتل أحد عليا الا وعلي أولى بالحق منه ، ولو لا ما سار علي فيهم ما علم أحد كيف السيرة فى المسلمين. ولا شك ان عليا إنما قاتل طلحة والزبير بعد أن بايعاه وخالفاه ، وفى يوم الجمل سار على فيهم بالعدل ، وهو علم المسلمين فكانت السنة في قتال أهل البغي » (٢)
وقال ابن حجر :
« ان أهل الجمل وصفين رموا عليا بالمواطاة مع قتلة عثمان وهو برىء من ذلك وحاشاه واضاف يقول : ويجب على الامام قتال البغاة لاجماع الصحابة عليه ولا يقاتلهم حتى يبعث إليهم أمينا عدلا فطنا ناصحا يسألهم عما ينقمونه على الامام تأسيا بعلي (ع) فى بعثه ابن عباس الى
__________________
(١) تأريخ الطبري ٥ / ٢٢٤ وقيل ان عدد القتلى اكثر من ذلك
(٢) مناقب ابي حنيفة للخوارزمي ٢ / ٨٢ ـ ٨٣