البحث الثالث
فيما إذا كان المطلوب مالا ، عينا أو دينا
وفي كلّ منهما : إمّا يكون المطلوب منه مقرّا به باذلا غير مماطل ولا معتذرا ، أو لا يكون كذلك.
فإن كان الأول فلا كلام فيه ، ولا دعوى ، ولا يجوز الأخذ بدون إذن الغريم حينئذ ، لأنّ الغريم مخيّر في جهة القضاء ، فلا يتعيّن إلاّ بتعيينه.
نعم ، للحاكم أيضا تعيينه لو كان الغريم غائبا ، لعموم النص المصرح بالقضاء عن الغائب.
وإن كان الثاني ، فالظاهر الإجماع على عدم وجوب الرفع ، وجواز مقاصّة الطالب عن مال المطلوب منه بنفسه في الجملة ، وإنّما الخلاف في بعض موارده.
ولنذكر أولا طائفة من الآيات والأخبار المجوّزة للمقاصّة ، ثمَّ نتبعها بما يستنبط منها.
أمّا الآيات : فقوله سبحانه ( فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ ) (١).
وقوله ( فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ ) (٢).
وأمّا الأخبار : فمنها صحيحة الحضرمي : رجل كان له على رجل مال ، فجحده إيّاه ، وذهب به ، ثمَّ صار إليه بعد ذلك للرجل الذي ذهب
__________________
(١) البقرة : ١٩٤.
(٢) النحل : ١٢٦.