الإنكار المتأخر كاشف عن كون السكوت السابق لمصلحة لا رضا ، وإلا لما تعقبه الإنكار ، وعن ابن أبى الحديد إنه روي عن محمد بن جرير الطبري قال : روى عبد الرحمن بن أبى زيد عن عمران بن سوادة الليثي (١) « إنه قال لعمر : عابت رعيتك عليك أربعا ، قال : فوضع عود الدرة ثم ذقن عليها ، وقال : هات ـ إلى أن قال ـ ذكروا أنك حرمت متعة النساء وقد كانت رخصة من الله يستمتع بقبضة ويفارق من ثلاث ، قال : إن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أحلها في زمان ضرورة ورجع الناس إلى السعة ، ثم لم أجد أحدا من المسلمين عاد إليها ولا عمل بها ، لأن من شاء نكح بقبضة فارق عن طلاق بثلاث » الحديث. وهو صريح في وقوع التنكير عليه من الصحابة في عصره وفي الاعتراف بمخالفة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فالاعتذار عنه بالنسخ تحكم من غير تراضي الخصمين. على أن الإمساك عن النكير إنما يدل على الرضا مع فقد الأسباب المقتضية له غير الرضا ، وهو هنا ممنوع ، لاحتمال مخافة الفتك بهم ، كما هو المعلوم من حاله وفضاضته وغلظته لما له من الشأن في تحريمها.
كل ذلك مضافا الى ما عرفته من صراحة عبارته في دوام الحكم وعدم النسخ ، وأن التحريم إنما كان من قبله لا عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ولم يذكر هو في ذلك المقام ولا غيره النسخ ، بل حكي عنه الاعتذار بما سمعت ، ولو أن النسخ ثابت كما ادعاه المجيب لأشار إليه ، ليكون أدخل في الكف عنها وأقطع لألسن الطاعنين عليه والمتتبعين لعثراته ، حتى استمر الطعن عليه بذلك مدى الأعصار مثبتا في الصحف ومحفوظا في الصدور تتناقله الرواة والنقلة خلفا عن سلف.
وأيضا فإنه قد قرن تحريم المتعتين بلفظ واحد ، ولم يدع أحد منهم النسخ في متعة الحج ، بل صرحوا فيها بدوام الحكم ، بل عن بعضهم دعوى الإجماع على الجواز ، وحينئذ فحمل الكلام على ظاهره من إسناد التحريم الى نفسه فيهما متعين ، وإلا فحمله على النسخ في خصوص متعة النساء بعيد جدا ، بل مقطوع بفساده.
__________________
(١) راجع الغدير للامينى (ره) ج ٦ ص ٢١٢.