لأنّ التقدير والإضمار خلاف الأصل ، ولا يصار إليه إلاّ بعد عدم استقامة الكلام بدونه. وفيما نحن فيه الكلام بدون الإضمار في غاية الاستقامة ، لما ذكرنا من أنّ معنى الحديث ـ إذا كان الظرف ظرف مستقرّ ـ أنّ نفس المال الذي مثلا أخذت بدون الإذن يكون مستقرّا على ذلك اليد أي عهدته مشغولة به ، كما سنبيّن معنى « اليد » في المقام ، ولا يفرغ ذمّته إلاّ بأداء ذلك الذي أخذه إلى صاحبه.
وأمّا احتمال أن يكون العامل المقدّر « يجب » أو « يلزم » فيبعده ، بل ينفيه أنّ الأحكام التكليفيّة لا تتعلّق بالذوات والأعيان الخارجيّة ، بل لا بدّ وأن يكون متعلّقها فعل المكلّف ، فيحتاج في المقام إلى التقدير. والفعل المناسب لان يكون متعلّقا ليجب أو ليلزم في المقام هو الأداء والردّ ، ليكون معنى الحديث أنّه يجب أو يلزم ردّ ما أخذه من الغير وأداؤه إليه.
ولكن أنت خبير بأنّه مضافا إلى كونه خلاف الأصل ، ركيك إلى أقصى الغاية ، لأنّه يجب أن يكون الفعل مع غايته واحدا ، أي يكون معنى الحديث : يجب ردّ ما أخذ إلى أن يردّ.
وأمّا احتمال أن يكون المتعلّق ليجب أو ليلزم المقدّر هو « الحفظ » كي يكون المعنى : يجب أو يلزم حفظ ما أخذ حتّى يؤدّيه ، فبعيد جدا.
أمّا أوّلا : فلما قلنا إنّ التقدير خلاف الأصل ، لا يصار إليه إلاّ لضرورة. وليس ها هنا ضرورة إلى التقدير ، لأنّ ظاهر الكلام بدون التقدير في كمال الاستقامة ، لأنّه عبارة عن أنّ نفس ما أخذته اليد ثابت في ذمّة اليد ، ولا يمكن الخروج عنه إلاّ بأداء ما هو ثابت في العهدة إلى من هو صاحب المال المأخوذ. وهذا معنى لطيف ، له كمال الملائمة مع الأخذ بالقوّة والقهر ، ومع الأخذ بدون إذن المالك ، ويشبه لما هو مفاد سائر أدلّة باب الغصب من قوله عليهالسلام : « لأنّ الغصب كلّه مردود » (١) وغيره (٢).
__________________
(١) « الكافي » ج ١ ، ص ٥٤٢ ، باب الأنفال ، ح ٤ ، « وسائل الشيعة » ج ١٧ ، ص ٣٠٩ ، أبواب الغصب ، باب ١ ، ح ٣.
(٢) « وسائل الشيعة » ج ١٧ ، ص ٣٠٨ ، أبواب الغصب ، باب ١ و ٧.