وعلى الجملة : فقد تقدّم في ضمن البحوث السالفة أنّ الحجية التأسيسية غير موجودة في الشريعة الاسلامية المقدسة ، بل الحجج فيها بتمام أشكالها حجج عقلائية ، والشارع أمضى تلك الحجج ، ومن الطبيعي أنّ أثر إمضائه ليس إلاّترتب تنجيز الواقع عند الاصابة والتعذير عند الخطأ ، من دون فرق في ذلك بين أن يكون الدليل على اعتبارها السيرة القطعية من العقلاء أو غيرها كما عرفت ، وعليه فلا يمكن الالتزام بالتصويب والسببية فيها.
ولو تنزلنا عن ذلك وسلّمنا أنّ حجية الأمارات الشرعية كانت تأسيسية ابتدائية ولم تكن إمضائية ، ولكن مع ذلك لا يستلزم القول بها القول بالتصويب ، وذلك لأنّ غاية ما يترتب عليه هو جعل الأحكام الظاهرية في مؤدياتها ، وقد ذكرنا في محله بشكل موسع أنّها لا تنافي الأحكام الواقعية أصلاً ، ولا توجب انقلابها بوجه ، بدون فرق في ذلك بين الشبهات الحكمية والشبهات الموضوعية ، هذا من ناحية. ومن ناحية اخرى : أنّ ظاهر إطلاق الأدلة الدالة على ثبوت الأحكام للموضوعات الخارجية ثبوتها لها في نفسها من دون التقييد بالعلم بها ، مثلاً قوله عليهالسلام « اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه » (١) يدل على نجاسة البول مطلقاً ، أي سواء أكان المكلف عالماً بها أم لم يكن ، غاية الأمر أنّه في حال الجهل بها يكون معذوراً ، لا أنّ البول لايكون نجساً في الواقع.
إلى هنا قد استطعنا أن نخرج بهاتين النتيجتين :
الاولى : أنّ جعل الأحكام للموضوعات المعلومة في الخارج بالوجدان أو بالتعبد وإن كان بمكان من الامكان ، كجعل الحرمة للخمر المعلوم مثلاً دون الخمر الواقعي وهكذا ، إلاّ أنّه خلاف ظاهر إطلاق أدلتها من ناحية ، وخلاف
__________________
(١) الوسائل ٣ : ٤٠٥ / أبواب النجاسات ب ٨ ح ٢.