من أجزاء العلة التامة فلا بدّ أن يكون مقارناً مع المشروط زمناً ، فكما لا يعقل أن يكون متأخراً عنه كذلك لا يعقل أن يكون متقدماً عليه إذا لم يبق إلى عصر وجوده أي وجود المشروط ، ومن هنا قال قدسسره : إنّه لا وجه لاختصاص الاشكال بخصوص الشرط المتأخر كما اشتهر في الألسنة ، بل يعمّ الشرط والمقتضي المتقدمين المتصرمين حين وجود الأثر كالعقد في الوصية والصرف والسلم ، بل في كل عقد بالنسبة إلى غالب أجزائه لتصرمها حين تأثره ، مع ضرورة اعتبار مقارنتها له زماناً.
ولنأخذ بالنقد عليه : وهو أنّ ما جاء به المحقق صاحب الكفاية قدسسره من تعميم الاشكال إلى الشرط المتقدم خاطئ جداً ، فان تقدّم الشرط على المشروط في التكوينيات غير عزيز فما ظنك في التشريعيات ، والسبب في ذلك : هو أنّ مردّ الشرط في طرف الفاعل إلى مصحح فاعليته ، كما أن مردّه في طرف القابل إلى متمم قابليته ، ومن الطبيعي أنّه لا مانع من تقدّم مثله على المشروط زماناً.
وبكلمة اخرى : أنّ شأن الشرط إنّما هو إعطاء استعداد التأثير للمقتضي في مقتضاه ، وليس شأنه التأثير الفعلي فيه حتّى لا يمكن تقدمه عليه زماناً. ومن البديهي أنّه لا مانع من تقدّم ما هو معدّ ومقرّب للمعلول إلى حيث يمكن صدوره عن العلة زمناً عليه ، ولا تعتبر المقارنة في مثله. نعم ، الذي لا يمكن تقدمه على المعلول زماناً هو الجزء الأخير للعلة التامة ، وأمّا سائر أجزائها فلا مانع من ذلك أصلاً ، ونأخذ لتوضيح ذلك مثالين :
أحدهما : أنّ غليان الماء خارجاً يتوقف على إحراق النار وإيجاد الحرارة فيه على التدريج إلى أن تبلغ درجة خاصة فإذا وصلت إلى هذه الدرجة تحقق الغليان ، فالاحراق شرط له وهو متقدم عليه زماناً.